نجحت العملية ولكن مات المريض: هل نركز على قياس الهدف أم على تحقيقه؟

هناك مقولة مشهورة في عالم الإدارة منسوبة إلى بيتر دركر هي: “ما لا يمكن قياسه لا يمكن إدارته”، ولكن هل من الممكن أن نسرف في التفكير في القياس لدرجة أن نفرُّط في تحقيق الهدف؟

حضرت مؤخرا اجتماعا للمدراء لبحث نتائج الفترة السابقة والتخطيط للفترة القادمة، وسخن النقاش حينما تطرق إلى حوافز الفترة القادمة، ثم انصب الحديث كله بقدرة قادر في طرق قياس الأهداف التي عليها ستحسب الحوافز وكيفية التأكد من دقة المقاييس وتخيّل سيناريوهات التلاعب بها واختصار الطريق للوصول للأرقام المستهدفة.

اللعب بالنتائج

أثناء الحديث عن هدف تحقيق رضى العميل وارتباط الحافز السنوي به مثلا، تركز الحديث عن القياس بدلا من كيفية تحقيق الهدف، مثل التخوف من تلاعب بعض العملاء بنتائج استبيان الرضى أو ابتزازها للمنشأة بالتهديد بالشكوى في وسائل التواصل الاجتماعي. ثم انتقل النقاش إلى مدى دقة أو صحة القياس. كان بودي أن يتم التركيز على دراسة أسباب عدم الرضى الحالية وترتيبها حسب الأولوية بالتكرار أو الأثر على رضى العميل ثم معالجتها منهجيا واحدة تلو الأخرى.

وإن صح أنه لا يمكن تحقيق ما لا يمكن قياسه فإن التركيز المفرط على القياس وحده دون النظر في جهود تحقق تغييرا مستداما في النتيجة هو جهد ضائع على المدى الطويل. وهو يذكرنا بالطالب الذي يركز على معرفة أسئلة الامتحان ومهارات إجابتها لاجتياز الامتحان أكثر من التركيز على فهم المادة.

كان ذلك على مستوى الأفراد والطلاب والمنظمة، وأما على مستوى الدول فالمخاطر أعلى بكثير…

خطة المملكة 10×10

كم منا يذكر خطة المملكة 10×10؟ هي خطة أطلقتها الهيئة العامة للاستثمار في السعودية في منتصف العقد الماضي بهدف الوصول لقائمة الدول العشرة الأكثر تنافسية في عام 2010. كان ذلك الهدف طموحا جدا وقت إعلانه، وخلال الفترة تم تحديد أو تحوير الهدف ليكون الوصول لقائمة معينة هي قائمة البنك الدولي لسهولة أداء الأعمال (Ease of Doing Business) ، واطلقت حزم من التعديلات في الأنظمة الحكومية من أبرزها تخفيض رأس المال المطلوب لتأسيس الشركات، وصلت المملكة بالفعل للمركز الحادي عشر عام 2010 ارتفاعا من المركز 38 في عام 2006. فحق لنا وقتها أن نحتفل بالإنجاز.

والآن يحق لنا أن نتساءل ما إذا أحس المواطن والتاجر بأثر إيجابي في بيئة العمل في المملكة وقتها، وأيضا ماذا حدث في الأعوام التالية وهل بقي مركز المملكة كما هو أم أن تقهقر ولماذا لم نعد نسمع عن تلك الخطة وذلك الإنجاز: فأين نحن الآن في القائمة في التقرير الحالي لعام 2016؟ (حسب التقرير فإننا في المركز الثاني والثمانون!)

مخاطر الخطط الوطنية الحالية

والآن مع إطلاق خطط وطنية طموحة التي نتمنى لها النجاح، هناك مخاطرتين رئيسيتين يجب التنبه لهما الأولى هي الإفراط في القياس والإبداع في اختصار الطرق لتحقيق تلك الأرقام سواء مع أثر سلبي كبير في بيئة العمل أو إنجاز تحول جزئي في بعض الجوانب تؤدي إلى إقامة جزر من النظام والامتياز وسط بحر من الفوضى كما يقال. والمخاطرة الثانية هي أن نعد وعودا كبيرة لا تتحقق إلا بعد أمد بعيد، ولكنها تخنق بيئة الأعمال حاليا وقد تسبب ركودا اقتصاديا.

فالخوف هو أن تتحقق النكتة المشهورة في أن تنجح العملية ولكن يموت المريض.

هل لديكم تجربة مختلفة عن قياس الأهداف؟

الردود

  1. عايض الغامدي :

    المشكله اذا مات المريض قبل ان تبدا العمليه
    والمشكله الأكبر اذا كان من يعمل العمليه لا يعرف تاريخ المريض ولا يعرف حتى مرضه

  2. محمد التويجري :

    بالمصادفة، ترتيب الخطوط السعودية لعام ٢٠١٦ هو ٨٢
    تحياتي وتقديري يا دكتور

  3. نسرين :

    قياسا بمانمر به من تجارب …فكثييير منها ينطبق على ماتفضلت ..وتطبيقا لمقولة نجحت العمليه ومات المريض …
    نجحت الخطة ومات الضمير …
    نجحت الانثى بوضع الذكر وماتت ..
    نجح اللص بالسرقه وتم ظبطه..
    تزوج الشاب ف نجح زواجه ونجح الاهل في الاختيار ومات قلبه …
    نجح ارهابي في تدمير امم ومات فلذات الاكباد …وقس على ذلك …

    لكل منا جانب مظلم تنجح به العمليه ويموت المريض

  4. المهندس/ خالد العبودي :

    مقال جميل جداً وواقعي يتواكب ويتطابق مع واقعنا الفعلي، فإن لم نقيم واقعنا من المخاطر والمآثر ، دون نزعات المجاملات، سوف تكون الثقة عالية بما يطرح من خطط،
    مع بالغ الشكر للكدكتور/بدر

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.