مررت مؤخراً بتجربة بسيطة جعلتني أفكر عميقا. ففي ورشة عمل مخصصة لتجديد هوية منظمة عريقة كانت إحدى الفعاليات هي تقسيم أعضاء الادارة العليا للمنظمة إلى فريقين منفصلين يقوم كل منهما بمراجعة مجموعة من الصور واختيار صورة تعبر عن هوية المنظمة الحالية وصورة أخرى عن الهوية المستقبلية المستهدفة. الهدف من هذا التمرين شيئان هما معرفة انطباع كل فريق عن الهوية الحالية وعن التوجه المستقبلي بطريقة تستخدم الخيال (غير مكتوبة). وهناك نتيجة إضافية هي قياس تطابق الرأي وانسجام التوجه بين الفريقين من أعضاء الادارة العليا.
في تلك الحالة كانت المفاجأة السارة هي التطابق شبه المطلق بين اختيارات الصور لكل من الفريقين المستقلين، مما عنى أن هناك توافق في الرأي على الحالة الراهنة والوجهة المستقبلية. فلقد اختار الفريقين كل على حدة من بين عشرات الاختيارات سيارة دفع رباعي مشهورة ومنتشرة بكثرة ومتوسطة الفخامة ولكنها عالية الاعتمادية للرمز للحالة الراهنة للشركة، وأما بالنسبة للمستقبل المنشود فلقد اختاروا صورة سيارة ألمانية شهيرة فاخرة وسريعة.
نما إلى فكري أن من أكبر عوامل فشل مبادرات التغيير سواء كانت في الاستراتيجية أو تحديث الهوية، هو عدم توافق الرأي بين أعضاء الفريق المعنيين بتطبيق التغيير. والوصول لهذا التوافق ليس وليد للصدفة ولا يمكن أن يكون مجاملة. ومن تجربتي وقراءاتي وجدت أن هناك ثلاث ممارسات ليست صعبة تمكن من تقريب وجهات النظر والوصول للتوافق:
أولا: الابتكار المشترك
وهو يتطلب أن يمارس الفريق مراحل تكوين الفكرة سويا ابتداء من العصف الفكري الى فرز الأفكار ثم تطويرها. وبالتالي يعاصرون ويشاركون مخاض الفكرة والتوجه وميلادهما. وخلال هذه المرحلة قد تطرح آراء متعارضة يصار الى التوفيق والمفاضلة بينها. وتنتهي العملية بإحساس مشترك بملكية الفكرة. وهناك مقال يشرح هذه الفكرة بإسهاب أكبر.
ثانيا: الإقناع المتبادل
وهو تكليف كل من أعضاء الفريق المختلفين في الرأي بمحاولة إقناع الآخرين بفكرة أحد الآخرين المخالفة لوجهة نظره، وبالتالي يرى كل من المشاركين من خلال هذه العملية بعض إيجابيات الرأي المخالف لرأيه، وقد تصل في النهاية إلى رأي مشترك أو حتى خيار جديد يصنعه الجميع.
ثالثا: القيادة المنفتحة
وهي الممارسة الأصعب في رأيي وهي تعتمد على سعة صدر قائد الفريق في تقبل الآراء المشتركة لو كانت مخالفة لوجهة نظره. فدور القائد كمسؤول نهائي عن القرار هو الوصول بالفريق إلى وجهة مشتركة والأصعب لو اتفق الجميع على ما يخالف رأيه، وبالتالي عليه أن يقنع الآخرين أو يقتنع برأيهم ويصل معهم لخيار مشترك. والصعوبة تكون حينما يتخذ قرارا يخالف رأي الغالبية فحينها يتوجب عليه أن يبرر قراره بأنه مثلا يعطي وزنا أهما لعوامل قد أغفلها الغالبية أو أنه يعرف أكثر بحكم الاحتكاك ردة فعل الجهات الخارجية المؤثرة على المنظمة. وهذا رابط لمقال عن القيادة المنفتحة.
الخلاف بين أعضاء الفريق ليس كله سلبيا كما ناقشت في تدوينة مستقلة. في نهاية المطاف فإن الفريق لن ينفذ بفعالية إلا ما يلتزم به فمن المهم يصل الفريق إلى اتفاق على التوجه قبل التنفيذ، والاتفاق لا يعني بالضرورة الإجماع، ففي كثير من الأحيان يتوجب على الفريق اتخاذ قرار والالتزام به حتى وإن لم يجمع عليه الكل. ودور القائد محوري في مساعدة الفريق للوصول للالتزام. وكالعادة يسعدني استقبال إضافاتكم لأي ممارسات إضافية وجدتم أنها فعالة في الوصول للتوافق.
الطريقة الثانية قيمة ابتكارية مضافة هنا لكى تلعب دورا مختلفا لإقناع الآخر بوجهة نظر مخالفة لك، لترتدي قبعة صفراء للبحث فقط فى مزايا أو فى ميزة واحدة لفكرة ترفضها، شكرًا د. بدر.
شكرًا اخي محمد لتأصيل الفكرة حسب نظرية قبعات التفكير الست.