حينما بدأت الكتابة في مجال القيادة وتطويرها، رد على أحد الأصدقاء القدامى معترضا: “لماذا هذا الانشغال المعاصر بالقيادة ولماذا أصبح هذا الموضوع أشبه بالموضة مثله مثل ريادة الأعمال الآن؟” والمفارقة هي أن صديقنا هذا هو نفسه مدير كبير ناجح في مكان عمله.
ظننت أن الجواب بديهي ولكن لأجيب إجابة مقنعة على سؤاله احتجت لأجتهد في البحث، ووصلت لخمس أسباب مهمة تبين خطورة إهمال موضوع القيادة هي:
أولا: القيادة حاجة بشرية ومن أهم خصائص التجمعات الإنسانية على مدى التاريخ
فمنذ بدء التاريخ عاش الناس في تجمعات بشرية وبدأت فيها القيادة بنمط غير رسمي كانت في الغالب للأكبر سنا ومقاما، ثم تطورت إلى منصب لشيخ القبيلة، إلى أن تطورت إلى دول ذات قيادات رسمية. حيث برزت الحاجة إلى قيادة منذ بدأ التاريخ، فهذا الشاعر الجاهلي الأفوه الأودي يقول:
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم… ولا سراة ان جهالهم سادوا
ثانيا: المبادرة في أي عمل جماعي يحتاج قيادة
القيام بأي تغيير على المستوى الفردي يكفيه مبادرة من الفرد نفسه، ولكن مستوى الجماعة فإن المبادرة لتنجح تحتاج أن تنضوي تحت قيادة. فأي عمل جماعي يعتمد عليها ولا سيما العمل الإداري والتجاري. والمبادرة في بعض الأحيان حتمية وليست اختيارية كما في حالات الكوارث الطبيعية والحروب والثورات والتي عادة ما يولد من رحمها قادة. وأنت حينما لا تقود في موقف قيادة فأنت تضيع فرصة أن تكيف الأحداث حسبما تراه صحيحا.
ثالثا: القيادة هي موقف تجد نفسك فيه لا وظيفة تختارها
في كثير من الأحيان يحتم عليك دورك في الحياة القيادة دون أن تسعى في طلبها، فالأبوة قيادة والأمومة قيادة، فالقيادة ليست بالمنصب دوما، ولقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته”
ويوضح هذا الحديث الشريف معنى الرعاية والإمامة والقيادة والمسؤولية المتولدة منها (شرح حديث كلكم راع للشيخ :عبد الله الجبرين) فبالتالي كل منا راع والراعي مسؤول والمسؤولية إحدى خصائص القيادة. وبالتالي فإن كلنا قادة وغالب المواقف الإنسانية والاجتماعية والإدارية هي موافق قيادية، يجدر بنا أن نحسن التصرف فيها.
رابعا: الوصول لأي هدف يتطلب قائدا
لا تحقق جماعة ما هدفها دون التعرف عليه أولا ومن ثم التحرك المشترك نحوه، وهذا دور القائد الذي يساعد الجماعة في تحديد الهدف، ويجمع الآراء حول الهدف، ثم يقود المجموعة في طريقها للهدف. لذلك يجب أن يومن الأتباع بطريق القائد من جهة، ومن جهة أخرى فالقيادة قد تكون قيادة للخير أو للشر، للطريق الصحيح أو الطريق الخاطئ إلى النجاة أو إلى الهلاك، فإن هناك مسؤولية أخلاقية مضاعفة على القائد كما تقدم في الحديث الشريف مسؤولية القائد عن الرعية.
خامسا: المنظمة تتشكل بخصائص قائدها
إذا سلمنا أن لكل منظمة أو تجمع بشري قائد، وأن نجاح المجموعة معتمد على فعالية القائد، فيجب أن نعرف أن المنظمة تتشكل بخصائص قائدها، لذلك فإن تحسين أداء القائد يؤدي إلى تحسين أداء المجموعة. لذلك الاستثمار في اعداد القائد استثمار حكيم في نقطة وحيدة لها عائد متوقع كبير لإن من خواص القائد الناجح هو أنه يعد ويدرب أتباعه. فبالتالي هو استثمار في شخص واحد يؤثر على الجميع.
وإذا اتفقنا على أهمية موضوع القيادة، وأن كلنا قادة، وندرك أن كل منا في يوم ما سيوضع في موضع قيادة، يجدر بنا أن نعرف كيف نتصرف وقتها. هذا إن لم متوقعا منك أن تكون قائدا الآن دون أن تدرك!
فهل تظن أيها القارئ وأيتها القارئة أن صديقي سالف الذكر اقتنع الآن بأهمية موضوع القيادة؟ وهل هناك أسباب أخرى محورية أخرى تدعو للاهتمام بالقيادة؟ يهمني قراءة مشاركاتكم…
بداية فيما يخص صديقك فإنه اذا كان مديراً عصامياً، نعم أظنه اقتنع أما إن وجد نفسه مديراً او تم إيجاده كمدير فلا اعتقد انه سوف يقتنع.
أوافقك الرأي بان القيادة مطلب فطري ويجب الاهتمام بها على كل الاصعدة وفي كل المجالات، ولاكن علينا المعرفة والتفريق بين كل من (القيادة السيئة والقيادة الحسنة).
نعم فالقيادة هبة ومهارة يمكن ان تستخدم في الخير كما الشر والتاريخ يشهد بذلك وشركاتنا وحكوماتنا أيضاً تشهد بذلك.
وعلى قدر خبرتي المتواضعة لم يتطرق أحد في برامج تطوير القيادات إلى أخلاقيات القيادة .
تحياتي لك دكتور ويسعدني متابعتك والاستفادة منك دائماً.
شكرًا للرد والمداخلة.
أخلاقيات القيادة بالغة الأهمية فعلا.
بداية أتقدم بالشكر الخاص لسعادتكم على هذا المقال الرائع و لو سمحتم لى أن أضيف محور أحسبه مهما أيضاً فى موضوع الاهتمام بالقيادة ألا و هو (أن المواقف القيادة هى إرث لا يجب أن نفرط فيه): فمن الجدير بالذكر ان الحضارة الانسانية هى حضارة تراكمية نبنىى فيها على ما بناه السابقون و الانسان يتعلم من خبرات غيرة .. و حتى يصبح القائد ناجحاً و فعالاً لابد له من دراسة و تعلم مواقف ممن سبقوه من القادة الناجحين .. و القائد له دور مهم فى عملية الارشاد و التوجيه و التأثير أيضاً و لا يتم له ذلك الا إذا كان ذو خبرة تعلمها ممن سبقوه و تأثر بهم بالاضافة لبعض الصفات الشخصية كالذكاء و التفكير الابداعى .. و غيره من الصفات الواجب توافرها فى القائد ويقوم هو بدوره بنقل خبراته بطريقة مباشرة أو غير مباشرة لمن لحقوه .. فنحن ندرس سيرة رسولنا الكريم و صحابته من بعده (و غيرهم فى مجالات شتى) و نتعلم من مواقفم القيادية و لو لم يصل إلينا ما فعلوه ما استطعنا أن نتعلم دروساً فى غاية الكمال عن القيادة الفعالة و الناجحه
لاشك أننا نتعلم القيادة ممن سبقونا بل أزعم أننا من الممكن أن نكون أتباعا لقائد ميت عظيم.
شكرًا للمداخلة.
Pingback: هل تطمحين لتكوني سائقة أم قائدة؟ – مدونة بدر بن حمود البدر