أنت مبدع في عملك، أكثر زملاءك خبرة في تفاصيله، تقوم بالعمل كله نيابة عن الفريق، تصرف الساعات الطوال في العمل، تدرب مرؤوسيك وتعطيهم ثقتك، تقدم لرئيسك الرأي السديد، وأنت من حقق أهم إنجازات الشركة ومن حذر من كل إخفاقاتها. المشكلة الوحيدة في ذلك كله هي أن نظرتك لنفسك هذه لا يتفق معك فيها أحد من رؤسائك أو مرؤوسيك أو زملائك…
أذكر أنني زاملت مديرا كان يرى نفسه بشكل مختلف تماما عما يراه الآخرون. بل وحين كان يسمع رأي الأخرين فيه كان يعزوه للحسد والحقد والمنافسة غير الشريفة إذا أساء الظن، والغباء والغفلة وقصر النظر عندما يحسن الظن.
أخبركم ما أصاب صاحبنا في النهاية، ولكن أجزم أن كل منا له نصيب من قصور الوعي أو الإدراك الذاتي. فهناك حالات عديدة اكتشفت فيها (للأسف لاحقا) أنني خدعت نفسي بتجميل صورتي عندما أخطئ. وهناك مقولة مشهورة منسوبة لسقراط تختصر سر النجاح وهي: “اعرف نفسك”، مما يعني أنك أنت هو أخطر أعداء نجاحك بعدم معرفة نفسك!
ولكن كيف تعرف نفسك؟ بالنسبة لي فلقد وجدت هذه الممارسات مفيدة في معرفة نفسي أكثر:
متى آخر مرة جلست فيها مع نفسك؟
أنت المرآة الأولى لنفسك. أجلس وحدك بعيدا عن أي أجهزة (وجدت أن الورق والقلم أدعى للتركيز وأقل تشتيتا) وفكر في المواقف التي مرت عليك وتصرفك فيها وحاول أن تتوقع ما هو الانطباع الذي يأخذه الآخرين عنك لا ما قصدت أن توصله. يساعدك في الوصول لما تريد كتابته قبل أن تشرع فيه ومن ثم اكتب تقدمك في انجازه وقارن النتيجة النهائية مع التي توقعتها في البداية، وبالتالي ستتعرف أكثر على نقاط قوتك وضعفك. ومن أشهر من يستخدم هذا الأسلوب المستثمر الناجح وارين بوفيت.
خذ اختبار الشخصية
أول اختبار للشخصية أخذته كان جزءا من دورة تدريبية في القيادة وكان حسب مقياس (Myers-Brigs)، وكانت نتيجته بالنسبة لي كاشفة وكأنها أزالت عن عيني غمة. وفسرت لي لماذا بعض الأمور سهلة علي وصعبة على غيري وأهم من ذلك كيف يراني الناس. هذه الاختبارات تقيس كل محور من محاور شخصيتك بحسب قربه أو بعده من قطبي المحور وليس فيها جيد أو سيئ فمثلا في محور النزعة الاجتماعية هل أنت أقرب إلى أن تكون منطلقا أو متحفظا، ثم تصنفك إلى آحد أنماط الشخصيات المعروفة.
استفد من تقييم الأداء في عملك
تقييم الأداء الرسمي أصبح من الممارسات الشائعة في أماكن العمل بحيث تعرف من رئيسك رأيه في أدائك ونقاط قوتك وضعفك، بل أسلوب تقييم ٣٦٠ درجة يعطيك أيضا رأي مرؤوسيك فيك. فتستفيد منه في معرفة الصورة الذهنية التي تبثها عن نفسك من خلال عملك. ولقد تحدثت في مقال سابق عن كيفية الاستفادة بشكل أكبر من عملية تقييم الأداء.
صديقك من صَدَقَك لا من صَدَّقَك
حتى أصدقاءك الموثوقين قد لا يكشفوا لك عن انطباعهم عنك إلا بعد أن تعطيهم الأمان وتوضح لهم أنك ترغب في تحسين نفسك، ومن الممكن طلب معرفة رأيهم في تصرف معين أو موقف معين مما يقلل من الحرج، ومن الممكن أيضا أن تعهد إليهم بتنبيهك حينما تكرر تصرفا تحاول أن تغييره. والحديث الشريف: “المؤمن مرآة أخيه” يؤكد أهمية صدق أخيك لك في كشفه لك عيوبك ولكن بأمانة كالمرآة، دون مبالغة أو نقص أو تشهير.
وسبق أن كتبت عن أحد أكبر العوائق أمام نجاحنا الشخصي وهو خداعنا لأنفسنا. فنرى أهميتنا الذاتية فقط وأهميتها فوق حاجات وأماني الناس. ولهذا سلبيات عديدة، تؤثر على علاقاتنا بالآخرين، وطريقتنا في العمل، ومقدرتنا على قيادة الآخرين.
صاحبنا نفر الناس من حوله ولم يستطع أن ينجز مهامه التي يعتمد فيها على عمل الفريق، واضطر إلى ترك العمل. قصتك أنك قد تكون نهايتها أسعد إن تعرفت على نفسك… اخبرنا عنها…
للقراءة أكثر عن الموضوع
- كتاب مفيد في الموضوع اسمه “Leadership Blindspots: How Successful Leaders Identify and Overcome the Weaknesses That Matter” وهو عن كيفية تغلب القادة الناجحين على نقاط ضعفهم الخفية.
- مقال عن الوعي الذاتي لدى القائد “5 Ways to Become More Self Aware”
حقا دراسة واعية وتنم عن خبرة ممتازة ليتنا جميعا نفيد بعضنا البعض ..شكرا جزيلا على هذا الموضوع الرائع