في بداية مسيرتي الوظيفية كنت أخجل من مهام البيع، ومع أنها كانت خارج مهامي الوظيفية المباشرة فلقد كنت أراها تريق ماء الوجه كالشحاذة. وعندما كانت تعرض على وظائف أو تطلب مني استشارات كنت أتأكد وأشترط أنها لا تشمل أي أنشطة بيعية. وحافظت على “ماء وجهي” و” كرامتي” إلى أن باشرت بتأسيس شركة ورئاستها ولأول مرة. حينها أصدمت بالواقع، فنجاح شركة في نهاية المطاف يقاس بتحقيق الأرباح والتي تأتي من خلال تعظيم الإيرادات وتقنين المصروفات، والإيرادات تأتي من العملاء والوصول لهؤلاء العملاء يحتاج إلى مبيعات، وفي الشركات الوليدة فإن على الفريق التأسيسي بما فيهم الرئيس البيع، فالبيع لا مفر منه! ولعل تلك أفضل تجربة مرت بي أدركت بها أهمية ممارسة البيع في النجاح الوظيفي…
الكل يبيع
عرفت بعدها أن قطاع الأعمال يتوجه إلى تذويب الحواجز بين فريق البيع وأقسام الشركة الأخرى، مما يعني أن الجميع يتعامل مع العميل مباشرة ويساعد في زيادة الإيرادات. فهناك مثال لشركة برمجيات باعت في سنة أكثر من مئة مليون دولار دون بائع متفرغ واحد. وموظف الاستقبال في الفندق ومقدم الطعام في المطعم مثلا هم أهم البائعين.
البيع هو خدمة للعميل
البيع في مختصره عبارة عن علاقة ثقة بين طرفين وفهم متبادل لاحتياجات طرف مقابل قدرات وخواص لدى الطرف الآخر تتكلل بتقديم سلع أو خدمات. وعرفت وقتها من مقابلاتي مع العملاء وفهمي لمشكلات وطموحاتهم أن البيع ليس استجداء للأخرين بل هو خدمة لهم بحل مشكلة لديهم.
كيف تبيع بفعالية
البيع مبني على تفهم وجهة نظر العميل واحتياجاته وطموحه ومشكلاته، ثم إيضاح لكيف تستطيع أنت حل هذه المشكلات، ويتطلب المرونة والإصرار في وجه الاعتراض والصد. لذلك فإن الاستماع الفعال جذري للنجاح في البيع، فهو يساعد على فهم العميل وأيضا يعطيه اطمئنانا بتفهمك له. ومن الأخطاء الشائعة تركيز البائع على سلعته أو خدمته ومزاياها دون الاهتمام باحتياجات العميل. والبيع ليس مجرد لسان معسول ووعود تتطاير في الهواء فمن يشتري منك يسأل عنك وعن سوابق التعامل معك خصوصا في عصر الإنترنت والصوت الصادح للعميل. فالبيع يتطلب تكوين علاقة شخصية إنسانية مع الطرف الآخر.
ما كنت أخشاه أصبح مهنتي
لاحقا في عملي في شركة عالمية تقنية كان بيع منتج الشركة هو مهمتي الرئيسية وكان نجاحي يقاس مباشرة بتحقيق الهدف البيعي. وكان التحدي المتكرر أمامنا هو أن منتجنا أعلى سعرا من المنافسين، وكان ذلك يشكل عقبة كبيرة خصوصا في المناقصات الحكومية الكبرى، فكنا نعتمد على التأثير مبكرا على المواصفات من خلال تثقيف العميل، ومن ثم إقناعه بأن الفرق ليس فقط في جودة المنتج وإنما في تكامل وجود فريق فني وتدريب وصيانة استثمرنا في تهيأتهم أكثر من منافسينا مما يضمن لهم نجاح مشروعهم. وأدى ذلك إلى إبرامنا لصفقات كانت قياسية في حجمها مما ضاعف مبيعات الشركة السنوية ست مرات خلال فترة عملي فيها. وفيها أيضا ساهمت في ترغيب الكوادر الوطنية في امتهان البيع والفخر بالعمل فيه، حتى أصبح عدد المتقدمين أضعاف الوظائف الشاغرة.
مهارة البيع مهمة للنجاح
الناجح في البيع في رأيي ينجح في مسيرته المهنية، فالبيع هو عملية تحريك للآخرين إلى قناعة ففعل. فإقناع الأم لابنها لاستثمار وقته وجهده في المذاكرة بدلا من اللعب هو بيع. وإقناع زميلك بالمساهمة معك في مشروعك لمصلحة الشركة أيضا بيع. فمفهوم البيع ومهاراته لا تقتصر على المفهوم التقليدي بترويج سلعة أو خدمة مقابل ثمن، وهناك أبحاث تبين أن حوالي ٤٠٪ من وقت الموظفين في العمل تصرف في أنشطة ترويجية مشابهة للبيع، ولأهمية مهارات البيع فإن بعض الشركات تخضع المتقدمين للتوظيف لاختبار يعطى فيه المتقدم قلم رصاص عادي ويطلب منه أن يحاول أن يبيعه للمدير الذي يقابله.
إن أهم تطبيقات مهارة البيع هي في إتقانك ترويجك لنفسك ولأفكارك، فأنت تحتاج لتروج لنفسك بطريقة مهنية في المقابلة الوظيفية وأثناء التشبيك (Networking) في محفل عام، وأكثرنا تمر عليه مواقف يحتاج فيها للترويج لأفكاره والإقناع بها، فتسعفنا فيها مهارة البيع.
مصدر: To Sell is Human تأليف Daniel Pink
أخوي بدر
مقالك اكثر من راااااائع
المحتوى مفيد و السرد بسيط
بارك الله فيك
مجد البكر
شكرا لك مجد. ويسعدني انضمامك للقائمة البريدية للموقع