لم يسبق لي تأليف كتاب وأطول نص كتبته كانت رسالة دكتوراه تقنية بحتة قبل عشرين سنة. عدت للكتابة المنتظمة عندما أطلقت مدونتي منتصف عام ٢٠١٤، ثم بدأت فكرة الكتاب تختمر بعدما وجدت اهتماما من القرّاء بالمواضيع المطروحة وسررت بأسئلتكم وتعليقاتكم عليها واستمتعت باقتراحاتكم لمواضيع تودون أن أتطرق إليها. من هذا كله تبين لي التعطش إلى مرجع عربي في المواضيع التي تهم الشباب الطموح والتي تندرج تحت تجارب محلية (وغير مترجمة أو مستوردة) في النجاح المهني والقيادة والعمل مع الفريق. ولأن الوسيط الملائم لذلك هو كتاب أصبح أمامي طلب هدف ملح هو إعداد ذلك الكتاب. وكانت تلك بداية قصة كتاب: سيرة غير ذاتية.
التحدي الأول
أمام ذلك الهدف واجهني تحد الخبرة في التأليف ناهيك عن انشغالي الكبير في وظيفتي كرئيس تنفيذي لشركة مساهمة عامة متوثبة وكأكبر أخواني ورب لأسرتي وأبنائي الخمسة. بدت لي المهمة مستحيلة. حيث أن أي كتاب ناجح أتصفحه أجده متجانسا في مواضيعه وفي إخراجه وطباعته، فيما أنني أخط مقالات متنوعة في مدونتي أكتبها حين تسنح لي الفرصة، وتكون عادة كردّة فعل على موقف صعب واجهته. ناهيك عن صوت داخلي مزعج يأتي بنبرة واعظ يحذرني من إضاعة وقتي في مشروع معرض للفشل. فكان ذلك التحدي الأول. ولكن كان لدي إيمان كبير بثلاثة أمور أولا أنه من يبذل الجهد ويسعى يوفقه الله، وثانيا في أن التخطيط يساعد في تسهيل تصور وإنجاز الأمور الصعبة، وثالثا أن من يبدأ يصل. وفوق ذلك كله أخبرت نفسي أن هذه تجربة تستحق أن أخوضها بغض النظر عن النتيجة مع اهتمامي بالطبع بأن تكون النتيجة هي النجاح. فبدأت بالتفكير في الموضوع الرئيس للكتاب ومن هو القارئ المستهدف، وقتها تخيلت شخصا محددا أعرفه من شباب الأعمال وحاولت وضع نفسي مكانه واستنتاج ما يود أن يجده في كتاب مثل هذا، ومنها بدأت في وضع خطة الكتاب. كان نصب عيني الاستفادة من المدونة ومواضيعها والتعليقات عليها ولكن بعد تنقيح وترتيب مما يحقق وحدة الموضوع للكتاب ويحافظ على تسلسل منطقي للمواضيع. برزت أمامي خيارات متعددة لتقسيم الكتاب إلى أجزاء أو فصول، واستقر رأيي على يكون الكتاب على شكل رحلة تحاكي المسيرة المهنية ومقسم إلى محطات ست، فينطلق معي القارئ من محطة البداية إلى محطة الوصول معرجا على محطات التخطيط ثم الاستعداد ثم الفرص الوظيفية ثم الممارسات الناجحة في الوظيفة ثم العمل مع الفريق مرورا بمحطة التعامل مع الصعاب. (وهناك بعض الصور من التهميشات التي قمت بها في تصور الكتاب.)
التحدي الثاني
بعدها قمت بتقسيم المحطات إلى مواضيع فرعية ومن ثم حصرت عناوينها مستلهما بعضها من تدويناتي في المدونة، ومع وجود جدول بالمواضيع أصبح من الممكن وضع خطة زمنية للكتابة. وفي الخطة الزمنية بدأت بالنهاية وهو موعد الإطلاق المستهدف وهو معرض الكتاب بالرياض. وبالتشاور مع أصدقاء لديهم خبرة بالتأليف والنشر قدرت فترات ملائمة للاتفاق مع ناشر والطباعة والفسح، ثم جدولت المواضيع بتواريخ مستهدفة أعمل على الكتابة حسبها. ورغم انشغالي بالعمل استفدت بشدة من رحلات العمل وخصوصا وقت الطائرة في التفكير والكتابة وأيضا في الفنادق قبل النوم (أكتب هذه الموضوع في الطائرة والذي أعشق فيها انقطاع إرسال الجوال والنت). أثناء الكتابة حرصت على عرض مسودات أولية على من أثق في رأيه للتأكد، ولكن صدمني رأي من سألتهم في أن المسودة لازالت غير جديرة بالنشر، بل وحصلت على آراء متضاربة في توجيه دفة الكتاب بل والنصح بتأجيله. وكان ذلك التحدي الثاني
التحدي الثالث
وقتها قررت أن أمضي في طريقي في نفس وجهتي بعد أن حاولت الاستفادة من ملاحظاتهم. فواصلت الكتابة والتحرير والتعديل وغيرت في قائمة المواضيع أكثر من مرة، إلى أن وصلت إلى مسودة أرضى عنها، وضمّنت في الكتاب موضوعا عن تحدي الكتابة أتحدث فيه عن تجربتي في التحرير. ولكن بسبب انشغالي تجاوزت جدولي الزمني المخطط في إعداد المسودة الأولى مما كان يعني ألا يصدر الكتاب في وقت المعرض فأصابني الإحباط وقررت أن أؤجل الفكرة إلى العام القادم. وكان ذلك هو التحدي الثالث.
التحدي الرابع
ولكن في كل هذه المسيرة كان هناك صوت آخر يدفع معي لإنجاز الكتاب حتى عندما كان يغلبني الشك، فأقتنعني بالمواصلة، ذلك هو صوت صديقي القديم محمد شلبي، الذي سبق له تأليف كتب ويتميّز بنمط غير تقليدي في التفكير يتمثل في مساءلة الوضع الحالي وعدم قبول المسلّمات. بدأت التفاوض مع الناشرين، وكان الجواب مشجعا هذه المرة من ناشرين أعجبتهم المادة إلا أن أجمعوا على أن الوقت الآن تأخر على إطلاق الكتاب في معرض الرياض، إن مشينا بالإجراءات التقليدية. فكان ذلك هو التحدي الرابع. فوافقت أن نحاول أن نضغط الوقت على أن ألتزم بالمراجعة السريعة جدا والموافقة دون إبطاء على مسودة الطباعة، دون ضمان من جانبهم لقبول الكتاب. اختيار عنوان للكتاب كان مشروعا في حد ذاته، إذ بدأت بعنوان هو “النجاح رحلة” منذ بداية العمل وهو عنوان المدونة، ولكن وجدت أن هناك كتاب آخر مترجم بنفس الاسم، فاحترت في اختيار اسم آخر فدخلت في تجربة للعصف الذهني للعناوين أنتجت فيها فوق مئة وستين عنوانا محتملا! ثم قمت بتقييم كل منها حسب محاور أهمها الوضوح والتشويق، واخترت عنوان هو “تقود للنجاح أم تقاد للفشل”، ولكن لأطمئن عرضت أكثر ثلاثة عناوين أعجبتني في تصويت على متابعي في تويتر شارك فيه أكثر من مئتي مصوت، كانت نتيجته ضد اختياري المفضل، فغيرت عنوان الكتاب طائعا إلى العنوان الفائز وهو الذي سبق أن اقترحه الصديق شلبي وهو: “سيرة غير ذاتية”.
ماذا تعلمت ؟
تعلمت من هذه العملية الكثير فيما يتعلق بالتأليف والنشر، مثل وضع القارئ المستهدف في المخيلة دوما أثناء الكتابة، والاستفادة من التحفيز من الأصدقاء الإيجابيين للمثابرة خلال العملية. ولكن (وهو الأهم) هو ما تعلمته فيما يتعلق بإنجاز ما قد أظنه مستحيلا. سألني أصدقاء بدأوا تأليف كتبا خاصة بهم سؤالا متكررا هو كيف استطعت إنهاءه رغم مشاغلك. وأجبت ببساطة لأَنِّني من البداية حددت نفسي بخط واضح للنهاية له وقت محدد. وساعدني أيضا إعلاني للآخرين الخطة والهدف وخط النهاية واضعا بذلك التزاما أدبيا من المخجل التخلي عنه. نجاح الكتاب في المحصلة مرهون بقبولكم أنتم القرّاء له وهو ما أتمناه عطفا على جهدي المبذول فيه. ولكنني أفخر بإنجازي له في الوقت ولله الحمد بعد ما ظننت ذلك قبل أشهر قليلة من المستحيلات، وبعد تجاوزي لأربع تحديات هددت إكماله، وخصوصا لتزامن أخر مراحل الكتاب وأكثرها حرجا مع الاستعداد لتحدي العمر وهو رحلة بالدراجات لمسافة حوالي ٥٠٠كم من أمستردام إلى برلين، ولعل ذلك موضوع لمقال آخر. ويسعدني اطلاعكم على الموقع التعريفي بالكتاب وسماع رأيكم عن الكتاب نفسه.
بسم الله ما شاء الله و لا قوه الا بالله
Dear Badr
!Congrats and I truly admire your style and eloquence
?is the book out yet? and if so, how can I get a copy
!By the way, I love the title…very original
🙂 I’ll think of you when I’m in Amsterdam this summer
Warm regards
Abdellah
شكرًا آخي عبدالله على تشجيعكم. وسأتواصل معكم بخصوص النسخة.