قد لا يعرف شباب اليوم الملف العلاقي الأخضر ومكانته التاريخية العريقة، وإنما فيما مضى كنّا نشعر بمزيج من الإعجاب والشفقة عندما نرى شبابا في مقتبل العمل يبدو عليهم الحماس ولكن يكللهم التعب يحملون ملفات خضراء فيها صور شهاداتهم يطرقون أبواب الشركات والمؤسسات الحكومية يبحثون عن وظائف.
واليوم وإن تطورت إجراءات البحث عن عمل والتوظيف وأطلقت برامج حكومية وخاصة عديدة للتوظيف، فإن مزيجا من التعب والإحباط مازال يحيط بمهمة البحث عن وظيفة وخصوصا للخريجين الجدد. وقد لا تكون جديدة عليك عبارة: “مبروك التخرج عساك توظفت؟”
مؤخرا صارحني أحد الخريجين الجدد بحيرته في اختيار خطوته الوظيفية الأولى وتخوفه من صعوبة اختيار وظيفة مناسبة وما إذا كانت هذه الوظيفة الأولى بداية جيدة لمسيرته المهنية ومن حواري معه تداولنا ماذا يمكن أن يقوم به ليعظم فرصه في بداية موفقة واقترحت عليه أربع خطوات:
1. تعرف على نفسك
لعل أكبر عائق أمامك كخريج جديد ليس عدم توفر الوظيفة المناسبة وإنما معرفة ماذا تريد أنت بالضبط، فإذا لم تبذل
الجهد لتتعرف على نفسك بشكل جيد وماذا ترغب فلن تجد شيئا يناسبك، واحذر من أن يكون طموحك كبيرا لدرجة أن تجمع بين رغبات متناقضة يصعب توفرها في وظيفة واحدة خصوصا تلك التي تقبل الخريجين الجدد (قد يكون مفيدا الاطلاع على فصل: “خطط للنجاح المهني رغم المجهول” من كتابي سيرة غير ذاتية).
ولمساعدتك في التعرف على نمط شخصيتك وأنواع الوظائف التي تناسبك هناك عدة استبانات تساعدك. ذكرت في كتابي مثلا عن تجربتي:
أول اختبار للشخصية قمت به كان جزءاً من دورة تدريبية في القيادة، وكان حسب مقياس (Myers-Brigs))، وكانت نتيجته بالنسبة إليّ كاشفة؛ وكأنها أزالت عن عينيّ الغمام، وفسرت لي السبب الذي يجعل بعض الأمور تبدو سهلة عليّ وصعبة على غيري، والأهم من ذلك كيف يراني الناس. هذه الاختبارات تقيس كل محور من محاور شخصيتك بحسب قربه أو بعده من قطبـي المحور، وليس فيها جيد أو سيئ. فمثلاً، في محور النزعة الاجتماعية، هل أنت أقرب إلى أن تكون منطلقاً أو متحفظاً، ثم تصنفك في أحد أنماط الشخصيات المعروفة.
وهناك نسخ منه على النت (مع أنه من الصعب التأكد من موثوقية الاختبار والموقع). فمثلا هناك موقع يقسم الناس إلى ١٦ شخصية وبعد الاختبار يظهر نمط شخصيتك. ومنها ستعرف أنواع الوظائف الأكثر تماشيا مع نمط شخصيتك.
2. حضّر نفسك
في سوق العمل أنت بمثابة السلعة، ويتأتى عليك تسويق نفسك بطريقة احترافية، والسيرة الذاتية هي المطبوعة الدعائية عنك (بروشور)، من المهم إعطاء سيرتك الذاتية الأهمية اللازمة فهي ملخص لخبراتك وتطلعاتك وتعكس شخصيتك، ففيها تبرز مهاراتك التي تجيدها وسلوكياتك التي تمتاز بها وأخيرا المعلومات التي درستها، فهي ليست مجرد سرد لسجلك الدراسي. ومن محتويات السيرة الذاتية ترتب أفكارك للمقابلة الوظيفية، وتنشئ صفحتك في مواقع التوظيف.
والتحدي في حديث التخرج هو ماذا يكتب عن سيرته وهو لم يبدأ العمل بعد. ولكن من يفكر في الموضوع يجد أن هذا مجال للتميز على الآخرين حديثي التخرج مثله، فمناسب أن يتحدث عن مشاريعه الدراسية، وعن أبرز ما تعلمه في دراسته، وعن أي فترات تدريب عملي مارسها، وعن الأنشطة اللاصفية التي شارك فيها ومن المهم أن يربط ذلك كله بالوظيفة التي يرغب العمل فيها.
3. سوّق نفسك
في عصرنا هذا تنامت أهمية المواقع الإلكترونية والشبكات الاجتماعية في التوظيف. بالتالي من المفيد بناء صفحة شخصية على مواقع مثل لينكدان (linkedin) والمختص بالتواصل المهني، ومن المفيد أيضا وضع نبذة في مواقع التوظيف مثل Monster gulf و bayt.com ، والطرق التقليدية مازلت مهمة مثل توصية من شخص يعرفك ويقدر مهارتك (مثل أحد مدرسيك أو أحد من عملت معهم في تدريب) إلى مكان العمل المستهدف، إذ أن من أفضل الطرق للوصول لوظيفة هو من خلال شخص يعمل هناك. ويكمن التقديم أيضا من خلال الموقع الإلكتروني للشركة المستهدفة، ومن متابعة هاتفية. ومن المهم الانتباه لستة أخطاء يقع فيها الباحثين عن وظيفة حسب المقال المفيد للأستاذ إبراهيم العامر.
4. أثبت نفسك في المقابلة الوظيفية
النجاح في المقابلة الوظيفية يبدأ قبلها بزمن، وهو في الاستعداد الكافي بالتعرف على مكان العمل الجديد، ومجال العمل ومهام الوظيفة الجديدة، ومن ثم تأكيد الموعد، وهو أيضا في الالتزام بلبس مهني مرتب و بالحضور قبل الوقت بزمن كافي، وتحضير عدة أسئلة ذكية عن مهام الوظيفة تبين الحماس: مثلا كيف يتم تقييم الأداء وعلى أساس تكون الترقية، بدلا من الحديث عن الراتب وساعات العمل والإجازات التي ليست مكانها المقابلة الأولى. والحذر من إبداء عدم الحماس للوظيفة أو أنها مجرد تمضية وقت إلى أن تتوفر وظيفة حكومية أو راتب أعلى. فأنت لا تدري فقد ترتاح في مكان العمل هذا وتنجح فيه. ولا تتحرج من المتابعة الهاتفية بعد المقابلة وإنما احذر من أن تلحّ لدرجة منفرة.
وبعد هذا كله قد لا تجد في هذه المرحلة وظيفة أحلامك بعد، فلا تيأس. ولكن أيضا لا تنتظر لما نهاية. فأي عمل خير من لا عمل، وكل وظيفة تعمل فيها تكتسب منها خبرة هي مهمة لك كخريج جديد. وفقك الله.