تحذير: مقالي الْيَوْمَ مختلف عن العادة…
أدرك تماما أن كتابتي رثاء في قريب لي هو تجسيد لحزني وتعبير عن عواطفي تجاه من فقدت، وأتفهم بالكلية ألا تتعاطف معي بل وأن تندم على دقائق سلبتها منك في قراءة هذه السطور، ولكن لعلك تعذر أنانيتي في محاولة البوح ببعض مافي داخلي. ها أنا أعترف أن هذه الكتابة لي أكثر من أنها لك.
ودّعَت هي ولم أودّعها، وكما في حياتها لم تتعب أحدا ففي مماتها لم تتعب أحدا، كانت مصدرا للسعادة رغم المكدرات. لا أذكر أنني قد رأيتها دون ابتسامتها المعهودة حتى في أحلك الظروف، ولا أنسى دموعها التي كانت أحيانا تسيل فجأة على خديها رغم ابتسامة ظاهرة وكأنها رشة مطر تنهمر من سماء مشمسة، فكانت أحزانها داخلها وابتسامتها لتفرح الآخرين، وهي أحزان غالبا تعاطفا مع آلام الآخرين لا آلامها. كانت عيناها مستودعا للحنان، فجوابها الحاضر على من يطلبها شيئا: “من عيوني”.
هاجسها إرضاء من حولها، لم تكن تتشكّى وبعدما تغضب ما أسرع ما تنسى، كيف لأحد ألا يحبها وهي حين منعت حقها تغاضت، ومن ابتعد عنها حين قوّته آوته حين ضعفه دون منّة.
تتراءى أمامي صورة بالأبيض والاسود وأنا طفل في حضنها تطل منها ابتسامتان لا أدرى أينا أسعد بالآخر. كانت خالتي الوحيدة ولو قدر أن لي خالات أخريات لكانت حتما هي خالتي المفضلة، وبرعت في إقناعي أنني كنت المفضل من بني أخوتها، وقد يشعر كل منهم بذات الشعور.
تتراءى أمامي صورة ملونة حديثة، هي على فراش أبيض وأنا بجانبها ممسك بيدها، أربعون سنة بين الصورتين وفيهما نفس الابتسامتين. ربما كان ألم المرض وهموم تراكمت عليها هو ما سببت لها نوبات مفاجئة من النسيان، صحت مِنْهَا لتفقد والدتها رحمة الله عليها قبل أسابيع، أسلمت الروح بسلام وحيدة في منامها في بيتها دون أطباء ولا أجهزة ولا أسرة حولها.
خالتي قد تكون أمرأة عادية، وهي قد تذكرك بإمك أو أختك أو خالتك أو عمتك أو جدتك، ليس في سيرتها ما قد يؤرخ، سمحة المظهر، لطيفة المعشر، ولكنها غير عادية في طيبتها التي تجسد أسمى معنى لكلمة إنسان. هي خالتي نوال عابد شيخ رحمها الله وأسكنها فسيح جناته.
هو شعور جياش أن تصارع للكتابة فتوقفك دموع منهمرة تحجب رؤيتك تتبعها زفرات تجهش تنفسك. ومع الحزن العارم الذي يتلبسك والدموع التي تغالبك تتأكد لك حقيقة تغيبها هموم الحياة وتقسيها مصاعبها أنك مهما كابرت فأنت مجرد إنسان.
اسكنها الله فسيح جناته
Pingback: لنا في التدوين حياة - مدونة بدر بن حمود البدر