5 دروس لم يكن ليتعلمها القادة لولا جائحة كورونا

بعد مرور عام ونيف على جائحة كورونا بدأ العالم يستجمع قواه شيئًا فشيئًا إثر هذه الكارثة الصادمة. واستطاعت العديد من القيادات الذكية أن تخرج بأساليب ابتكارية لتطورير أعمالها. لقد كانت الجائحة بمثابة معسكر تدريبي صارم ضم تحت سقفه قيادات العالم ودفعهم لمستويات جديدة من التجربة والتعلم.

فمثلا في أوج تفشي الوباء، اختبرنا في مؤسسة محمد بن سلمان “مسك” صعوبة التعامل مع هذ االظرف الغامض. إلا أننا سارعنا بالاستجابة بالتكيف معه عن طريق وضع خطة مرحلية شملت الجانبين الداخلي والخارجي. ركز الجانب الأول على تعزيز التواصل الفعال مع الموظفين والتعامل مع مخاوفهم وتأمين بيئة آمنة تحفزهم على الإنتاج. بينما ركز الجانب الآخر على ابتكار طرق لضمان استدامة برامجنا، والوصول إلى مستفيدينا. وكان ذلك عن طريق تصميم وإطلاق برامج افتراضية جعلتنا على نفس مستوى القرب من الشباب في كافة أنحاء المملكة.

كانت حملة لا تقطع الإلكترونية أحد مخرجات تلك الخطة. وأتت إنطلاقًا من دور المؤسسة في دعم وتمكين الشباب لتحويل الأزمة إلى فرصة. ومواكبة الجهود الحكومية للحد من انتشار فيروس كورونا. وشملت الحملة مجموعة متنوعة من البرامج المعرفية والمبادرات التي ساعدت على إحياء الأمل والإيجابية ومحاربة الإحباط المتفشي إثر الجائحة.

وبالرغم من أن العالم لم يتحرر كليًا من قبضة الجائحة إلا أنها خلال فترة قصيرة استطاعت أن تختصر أهم الدروس القيادية التي قد يستغرق فهمها سنوات طويلة، من أهمها ما يلي:

الدرس الأول: النضج القيادي يسهل تخطي الأزمات

تظهر أهمية نضج القائد في الظروف غير المألوفة التي يعم فيها الارتباك. ونعني بالنضج هنا النضج الإداري والعاطفي فيما يتعلق بإدارة الأزمة بهدوء وحكمة والتعامل بذكاء مع احتياجات الموظفين. يؤثر نضج القائد بشكل كبير على سلوك الموظفين وقد يكون هو المعيار الحقيقي لقياس فاعلية القرارات والنجاح في تخطي الأزمات. يتسم القائد الناضج قياديًا بتفكيره الاستباقي وبعد نظره. بالإضافة إلى صبره وفهمه العميق وفق قيمه الشخصية التي لا تتزعزع مهما اختلفت الظروف من حوله. دفعت الجائحة الكثير من القادة للتفكر في مدى نضجهم القيادي. والوعي بأساليبهم التي لا تتماشى مع المتغيرات المفاجئة. وأوجدت رغبة ملحة بتطوير هذا الجانب من خلال التدريب النفسي والإداري.

الدرس الثاني: مراجعة المسلمات تصنع قادة استباقيين

اضطر العديد من القادة إلى مراجعة مسلماتهم وقناعاتهم المتعلقة بكيفية إدارة المنشآت لعدم فعاليتها مع التحديات المحيطة بهم. واستحقت الكثير من الثوابت المتجذرة التي وصلت لحد القدسية عند البعض إلى إعصار قوي يقتلعها. بالمقابل قدمت الجائحة مساحة بناء جديدة مع معطيات غير مألوفة لاستحداث طرق جديدة تتناسب مع تغيرات المرحلة المتسارعة. وأدرك القادة والتنفيذيين حول العالم أهمية تغيير القناعات التي لا تصلح لهذا الوقت. واستبدالها بأساليب تكفل استدامة المنشأة. كما أن الجائحة قدمت منظورا جديدا للقيادة ناقشته باستفاضة في مقال ستة مهام جديدة للتنفيذين للقيادة في بيئة عاصفة.

الدرس الثالث: التواصل الفعال يعزز الإنتاجية والسلامة النفسية

زادت الحاجة لمهارات التواصل الفعال أكثر من أي وقت سبق في ظل المقيدات والتباعد الاجتماعي الذي فرضته الجائحة. حيث أصبح التواصل المنفتح بين القادة وفرقهم ضرورة ملحة لنجاة المنشأة. زادت المسؤولية على القادة مع تفاقم معدلات الاضطراب وتأثيرها على إنتاجية الموظفين، وأدرك بعضهم أن طوق النجاة الأمثل هو توثيق العلاقات مع موظفيهم وتفهم احتياجاتهم.                       

استطاعت القيادات الواعية أن تفتح أبوابها للجوانب الإنسانية للعاملين والمتمثلة في مشاعر القلق والحزن والخسارة، والتعامل معها في مكان العمل كفرصة لإعادة بناء صحة المنشأة وتعزيز إنتاجيتها والمحافظة على المواهب. لقد قدمت الجائحة للقادة فرصة تاريخية لاستخدام أدوات تواصل مبتكرة لم يلجأوا لها من قبل، مما أتاح لهم التعامل مع الخوف والخوض في مناطق وموضوعات كان يحظر مناقشتها في مكان العمل مثل عدم الأمان ومشاعر العزلة وغيرها من المخاوف الشائكة التي لم يطرق بابها سابقًا.

الدرس الرابع: التكيف السريع يضمن صمود المنشأة

قلب عام 2020 الكثير من موازين القوى في قطاع الأعمال، فإلى جانب ضخامة إيرادات المنشآت وتدفق أموالها أصبحت قوة الشركات تقاس بمدى سرعة تكيفها، فالبقاء لم يعد للأقوى ماليًا فقط بل للأكثر مرونة والأسرع تكيفًا. وجد القادة أنفسهم أمام اختبار حقيقي يقيس مدى مرونتهم في التعامل مع ظرف غامض يصعب التنبؤ بتحركاته، وسيناريو يصعب قراءته بأي شكل من الأشكال. كان التكيف الإداري والاستراتيجي هو مخرج القادة الوحيد والآمن من طريق الأزمة المظلم. لقد أتاح التكيف السريع والنظر للكارثة من أبعاد مختلفة الخروج بحلول إبداعية لإعادة تقييم الخطط المستقبلية. وبالتالي تكييف المنتجات بما يتناسب مع الواقع الجديد ومعرفة مواقع الخلل التي لم تكشف بعد. إن من أهم الأمور التي ساعدت العالم على التعافي النسبي والرجوع تدريجيًا للحياة الطبيعية هو تمتع بعض القادة بالقدرة العالية على التكيف وإدراكهم لضرورة التأقلم مع جميع الاحتمالات من النواحي المالية والإنتاجية.

الدرس الخامس: ابتكار نماذج الأعمال الجديدة يبني مستقبل مستدام

مع موجات التغيير المتسارع التي شهدتها الأسواق العام الماضي، كانت المواكبة بتغيير نماذج الأعمال وتعديلها هي أفضل وسيلة للاستدامة والازدهار. بينما بعض المنشآت خاطرت بالسقوط عندما آثرت الاستمرار على نفس النهج القديم في خضم عملية التحول المتسارعة. بينما منشآت أخرى تصرفت بذكاء وقررت بدون تردد تقديم نماذج أعمال مبتكرة، وتجربة أفكار غير مسبوقة. بل وحتى إنشاء شراكات جديدة مما ضمن لها الاستمرارية في عالم ما بعد الجائحة.   

من أهم نماذج الأعمال الجديدة التي فرضتها جائحة كورونا نموذج العمل عن بعد. كان هذا النموذج بمثابة تحدي كبير للمنشآت بمختلف أحجامها. استطاعت المنشآت السباقة تقبل هذا النموذج وتسخيره لصالح أهدافها من خلال استراتيجيات مرنة زادت من إنتاجية موظفيها، أما المنشآت التي لم تتقبل هذا النموذج وأصرت على محاربته زادت تفككًا ووصلت للانهيار.                                                   

تشجع الكثير من القادة على تغيير منتجاتهم وخدماتهم من أجل مستقبل أكثر صحة واستدامة، لأن جائحة كورونا نبهتهم إلى أن الاستعداد للتغيير، والقدرة على الاستغناء عن الأساليب القديمةمن أهم عوامل البقاء والازدهار. والنجاة وسط الاضطرابات المستمرة ومتطلبات العملاء المتغيرة وصراعات الأسواق التنافسية.                      

ختاما: لم تكن جائحة كورونا مجرد أزمة صحية عالمية فحسب. بل كانت حافزا نفسيا قويا وعامل ضغط على القادة حول العالم من مختلف الخلفيات والمدارس الإدارية لتغيير طرق الاستجابة للأزمات.  هذه الأزمة لم تكن شًرا محضًا رغم الخسارات بل ساعدت العالم على الوصول لمراحل متقدمة من النضج والابتكار والتواصل. واختصرت العديد من سنوات البحث والتجارب، وقدمت دروسًا ثمينة لم نكن لنتعلمها لولا هذه الظرف القاسي.

الردود

  1. Abdullah :

    جميل دكتور بدر لهذا كنت الاحظ تلك القيادات التي تفشل وتاثر على المحيط بكامله سلبا لمجرد تفكيرها داخل الصندوق فحسب وليس خارجه ايضا بلبحث عن حلول بديله.

  2. Abo Omer :

    المرونة و القيم الاخلاقية العالية من القادة كان لها دور كبير كماذكرت دكتور بارك الله فيكم ونفع بعلمكم.

  3. Pingback: سنة كونية نحاربها بدون وعي - مدونة بدر بن حمود البدر

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.