ماذا تكسب عندما تفقد كل ثمين؟

عندما تفقد محفظتك
عندما تفقد محفظتك

كنت في آخر مرحلة من التحدي الأخير الذي شاركت به وهو قطع مسافة ستمئة كم من لندن إلى دسلدورف مختتما عدة أيام من التعب، وعند وصولي لخط النهاية شعرت بالإنجاز والراحة والفخر. ولم يفسد ذلك الشعور إلا شعور بالخواء أحست به أصابعي وهي تتحسس في جيبي الخلفي محاولة إخراج محفظة نقودي دون جدوى.

حاولت مقاومة شعور انتابني بالذعر والانهيار، وحثثت نفسي على الهدوء والبحث بعقل وذكرّت نفسي أنني كثيرا ما أبحث عن شيء وأجد أنه في يدي أو أمام عيني دون أن أدرك، وكم من مرة كنت أبحث بذعر عن محفظتي وأجدها مكان ما وضعتها. ولكن في هذه المرة حصل ما لم أكن أتوقعه في أنني لم أَجِد المحفظة.

لم يكن في المحفظة مبلغ كبير، ولكن كان فيها بطاقات البنك والائتمان ورخصة القيادة. بدون محفظتي ليس لدي مال ولا وسيلة للحصول على نقد أو الدفع، ومشكلتي تتفاقم في أنه أمامي مراحل أخرى من السفر بعد رحلة الدراجة وفيها حجز لفنادق وتتطلب مصاريف. والأنكى أن ذلك حدث في وقت وصول الفرق لخط النهاية في مهرجان من الفرح والمرح الأهازيج والهتافات، وهو ما حفزني لاستخدام هاتفي الجوال للتصوير والذي كان مودعا في نفس الجيب الذي فيه المحفظة، واستنتجت أن سقوط المحفظة كان ناتجا عن اخراج الجوال من الجيب.

وحدث ذلك للأسف مباشرة قبل الحفل الوصول الختامي الذي فيه تكرّم الفرق المشاركة وتحتفل الفرق مع أفرادها، أي قمة متعة الرحلة. وكان أيضا قبل رحلتي التالية المفترض أن يكون إقلاعها بعد ساعتين من وصولي، أي كان من المفترض أن أكمل الحفل وأتوجه مباشرة للمطار.

أصبت بالذهول واختلطت في ذهني الأفكار فهل أستطيع أن أكمل الرحلة؟

وهل ما ضاع مني يمكن استعادته؟

وكيف اتعامل مع الوضع دون أن أفسد فرحة بقية الزملاء؟

ملأني شعور بالإحباط وسط شعور من الفرح العارم حولي، وأحبطني أكثر إجابة المنظمين للرحلة أنه ليس بيدهم ما يفعلون سوى نصحي بأن أبلغ الشرطة.

اضطررت أن أشرك معي في الخبر زميلي أحمد قائد فريقنا مدركا أنني أفسدت عليه لحظة الاحتفال بالوصول، وهو الذي كان يعول عليَّ لإلقاء كلمة نيابة عن الفريق في الحفل الختامي، كان جواب أحمد هو جوابه المعتاد بابتسامته المعهودة أمام أي صعوبة وهو: “الأمر يسير” و”أمورنا طيبة بإذن الله”. أخرج من جيبه مبلغا من المال دسه في يدي وقبلته مرغما شاكرا، ولكنه لم يكتف بذلك وإنما أعطاني بطاقته البنكية حالفا بالله ألا أردها له غير مكترثا البتة باعتراضي.

في خضم ذلك فوجئت بقدوم مجموعة من رفاق الرحلة تجاهي ثم حملهم لي على الأكتاف وسط هتافهم وأنا بين تقدير لهم وهمّ بحالي.

خطر في بالي كيف من الممكن أن تفقد كل شيء في لحظة دون أن تعد لها، وكيف يمكن أن ينقلب وضعك من حال إلى حال في ثوان. وأيضا كيف أن لطف الله يحفظك رغم مصابك، فقد كنت محظوظا إذ أن جواز سفري مازال في حقيبتي، وأن جهاز الجوال أيضا بقي في يدي، وحمدت الله على الصحة والوصول سالما، وكنت أعلم أنني حقيقة لدي خطوط رجعة ممكن أن أعتمد عليها.

أكتشفت بعدها أن إخبار الشرطة مضيعة للوقت إذ أنهم لم يهتمّوا كونها ليست سرقة. حرصت أن أتصل بالبنوك وأوقف كل بطاقاتي مما يعني أنني لن أستطيع حتى استخدامها على الإنترنت، وكان درس لي ألا أحمل كل بطاقاتي في مكان واحد. بل أهمية السفر خفيفا بتوزيع أشيائي الثمينة وعدم حملها سويا. الأهم أنني أكملت رحلتي بعدها بيسر وسهولة ولله الحمد ووجدت طرقا بديلة للتعايش مع الوضع.

في المواقف الصعبة عندما تنجح في تجاوز مشاعرك السلبية في لحظة الحدث فإنك تمنح نفسك فرصة للشعور  بسعادة لاحقة، فكثير من الهم أوهام، فبعد أن كنت متيقنا أن كل ترتيباتي فسدت، وجدت أن مخططاتي لم تتأثر فاستطعت الاستمرار فيها. ليس ذلك فحسب بل تمتعت بشعور لم أحسه من قبل هو الشعور بأنك خفيف وحر حينما ليس معك ما تخاف عليه بعد!

قيل أن “السفر يسفر عن أخلاق الرجال” وحتما كان ذلك موقفا من التي تظهر معادن الرجال الذين وقفوا معي.

الردود

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.