ما أن تضع الطائرة عجلاتها على أرض المطار إلا ويقف أحد الركاب ويتبعه آخرون مادين أيديهم للأدراج العلوية لإخراج أمتعتهم غير عابئين بنداءات طاقم الطائرة المتكرر للجلوس “حتى تقف الطائرة تماما”، وما أن تهدئ سرعتها إلا وتجد الآخرين ينتفضون من أماكانهم صافين في الممرات وقد يدفعون أو يقفزون فوق من يعيق طريقهم للتسابق إلى باب الطائرة الذي لا يزال مغلقا. وما أن يفتح الباب إلا وتجد هذه الجماهير اندفعت في سباق كل يجر أمتعته ويجاهد في المشي السريع دون أن يتعرقل في ملابسه إلى نقطة النهاية التالية وهي طابور الجوازات أو سير الأمتعة.
هذا المشهد يتكرر كثيرا، وإن لم تشارك فيه لا تملك إلا التساؤل عن سبب عجلة هؤلاء، فهل هم كلهم مرتبطين برحلات أخرى أم صدف أن لديهم جميعا مواعيد مهمة جدولوها بتوقيت وصولهم.
ولكن ماذا عنك أنت ألست مثلي؟
- ألا تجد نفسك مستعجلا تختصر الحديث مع الآخرين ولا تنتظرهم يكملون جملتهم؟
- نزاحم في الخروج من المسجد بعد السلام مباشرة،
- ونوقف السيارة في أقرب مكان للمدخل حتى لو كان مخالفا،
- عند الإشارة الصفراء ننزعج من السيارة التي تهديء أمامنا بدلا من التسارع لانتهاز الفرصة،
- نعجل أطفالنا للبس والأكل وإنهاء حوارهم الطفولي،
- في الطوابير نحاول اختصار المشوار للمقدمة بأعذار واهية أو نتجاهل من نراهم يقفون قبلنا
قبل عشر سنوات فقط كنا متأقلمين مع دقائق طويلة في انتظار تحميل مقطع فيدو مشوش من ثوان بسرعة ٢٠٠ ك ب والان نتضايق من ثوان في انتظار تحميل فيلم حجمه ٨ غيغا بايت. كنا ننتظر نصف ساعة في مطعم في انتظار وجبة شهية والآن ننادي إن تأخرت الوجبة السريعة عن دقيقتين. الكل يرغب في تنزيل وزنه حالا دون أن يغير نظام أكله ولا أن يمارس الرياضة لفترة، نريد أن نتعلم لغة جديدة في شهر، ونتقن مهارة جديدة في سويعات تدريبية معدودة. بعد دقيقة من رسالتك النصية تستبطيء الرد وتتساءل ما يمكن أن يؤخره، فيما كان التواصل بين الناس يستغرق أسابيع وأشهر لوصول رسالة يدوية منمقة مكتوبة.
ومع هذه العجلة كلها هل لأننا دوما في طريقنا لإنقاذ حياة مريض أو إتمام صفقة كبيرة أو أننا متسابقين في ألمبياد؟
الغالب أننا نستعجل ونختصر ونركض ثم نحس بالوقت الذي “وفرناه” فراغا نضيعه أو نملأه بمتابعة الشبكات الاجتماعية. فمع تطور وسائل التقنية التي يفترض أنها ضاعفت إنتاجيتنا فأنها تضيع أوقاتنا أضعافا.
يلح علي سؤال دوما هو هل نحن أسعد الآن ونحن أسرع؟ أم حينما كنا أبطأ و “أقل إنتاجية”؟ أقلها هل هناك جدوى من تلك العجلة المستدامة؟
ما أذكر به نفسي هو أنه:
لك عذر أن تتأخر!
خذ وقتك، استمتع باللحظة، شم عبير الوردة، استذوق طعم القهوة، كن حاضرا بذهنك في حوارك وليس ببدنك ولسانك فقط.
ومع صبرك استفد من وقتك، اسمع كتابا صوتيا في السيارة، اذكر الله وسبح، أو انشغل في حديث مع نفسك!
أجب نفسك بصدق: هل قرأت هذا المقال بتأن أم قفرت جمله ومسحت بعينيك فقراته؟
آفة التطور التقني وتبعاته على كل المناحي الأخرى من حيواتنا. جيل (الآن) نحن!
قبل سنوات عديدة كتبت كلامًا مماثلًا. عندما كان البلاك بيري يغزوننا ولم تكن آبل ومن بعدها سامسونج قد حلّتا بعد؛ كيف أننا نلهث وراء شيء لا معلوم الملامح، نوفي الوقت كنتيجة نهائية وليس كغاية ونريد ونريد ونريد….!
لا وقت مخصصًا للتفكير (الانعكاسي) والتأمل وفهم الأمور واستيعابها (وكاتب هذا السطر منهم أكيد!!)
ربما كل جيل، لذلك، يسم الوقت الحالي بأنه أقل بركة من الجيل الماضي. في تلك العبارة تجنّ ربما ولكنها لا تخلو من ملامح صحيحة وواقعية.
لم أقتن جهازًا (ذكيًا) لحد الآن، أقاوم ذلك مع غدراكي بأن أخسر بعضًا من مميزات هاتف متطور ولكني أرى من حولي وفي دائرة علاقاتي المقربة أنهم أشباح، معظم اليوم!
شكرًا للتدوينة.
انت نوعية فريدة هيثم!
🙂
لا أظن وأشكر عبارتك اللطيفة
مدونتك بالفعل رائقة، أشكرك مجدّدًا
نفتقد لعيش أللحظه هنا والآن ..بكل هدوء واطمئنان
غنت شادية كلمات لطيفة عن الاستمتاع باللحظة :
سوق علي مهلك سوق بكرة الدنيا تروق
علي ايه تجري كفاية علينا العمر بيجري من حولينا
كان فى عنينا وملئ ايدينا وبعد دقيقة مش بايدينا
وهذا قبل أيام النت والشبكات الاجتماعية
كثيراً ما أذكر نفسي حال العجلة بأن الدقائق الثلاث أو الخمس التي سأكسبه لاتساوي تعريض نفسي أو غيري للخطر أو تعكير مزاجي .. وأني قطعاً سأضيعها لاحقاً إما من خلال قراءة رسائل الواتسب أو عبر مشاهدة مقطع كوميدي على اليوتيوب.
شكراً على طرحك يادكتور.
شكرا لك. وانا أيضا اجاهد في تذكير نفسي بذلك.
وانا اجاهد للتواصل معك
( خاص ) منذ فتره طويله واتي هذا المستطيل ك حمامه زاجل تحمل رساله اصفر لونها
tiger mwmm tiger
فيسبوك
.. تواصل معي دكتور ..
يوجد استفسار لطيف
حياك. أفضل طريقة للتواصل هي من خلال الموقع خانة تواصل معي.
فعلا يا دكتور ما ذكرت يجول بخاطري من زمن ..
لي فترة أتأمل كثيرا بهذه التصرفات في نفسي وآخرها كانت صلاة الجمعة .. ملفت ان الناس تحظر قبل الإقامة ب ٥ دقايق وتغادر مع أول السلام! للاسف لا لشئ وهنا اقيس نفسي كنت احظر قبل ٥ دقائق واغادر مباشرة ! لماذا والله بدون اي سبب إنما أصبحت عادة .
قررت منذ حدود ال ٦ أشهر ان أحضر قبل ساعه وان أخرج بعد نصف ساعة .
اكتشفت عالم آخر! والأهم أنه لم يتغير اي شئ بالكون بسبب التبكير والهدوء …
بل طمئنينة عجيبة ..
تحياتي لك يا دكتور … مدونتك رائعة وتحكي كثيرا ما يجول بخواطرنا
تجربتك الإيجابية محفزة لي. ويسعدني أن تنضم للقائمة البريدية للمدونة.