لو كنت رابعنا – صاحبني في رحلة على الدراجة

رحلة في الدراجة
الرحالة الثلاثة: بدر البدر@balbadr، أحمد أل صوفان @drag313، عمر الضباح @Omar_bah 

كنّا ثلاثة في رحلتنا الأخيرة منتصف الشهر الأول من عام ٢٠١٨من تبوك إلى وادي “طيب اسم” مرورا بالساحل. ليتك كنت رابعنا لتعرفت معنا على مناطق جديدة، فيها تضاريس متنوعة من سواحل نقية، وأودية فسيحة، وأجواء متنوعة جبلية وساحلية. ولرأيت معنا تشكيلات صخرية عجيبة وتوقفت عند معالم كنت مجرد تسمع عنها تدعو لنتفكّر في خلق الله سبحانه. بل ولعايشت أهاليها، واستمتعت بالحديث معهم والتعرف عليها وذهلت مثلنا بكرمهم، بعدما تأكل من طبخاتهم. شتان بين  الترحال بالدرّاجة وما اعتدنا عليه بالسيارة. بالدراجة تندمج بالبيئة وتتناغم معها، تعيش الأجواء المحيطة، تستنشق الهواء نفسا نفسا، تشم الروائح، تحس بالريح تكلل وجهك وتتخلل شعرك، تمر عليك المناظر المحيطة ببطء لتتمعن فيها وتتأمل تفاصيلها، وتتوقف في لحظة إن رغبت لتتحدث مع الناس أو تستكشف ما حولك. منظر قد تمر به بالسيارة عشرات المرات، ولكن مرورك به بالدراجة ولو لمرة يكشف لك ما لم تره من قبل. من الترحال بالدراجة تتعلم الصبر والتركيز وقوة الإرادة. قد تشعر بالشفقة حين تسمع بقصة رحال (مثل عمر العمير) يطوف العالم بدراجته ، يصحو يوميا ويركب دراجته فيقطع مسافة وسط البراري ورغم عوارض الجو إلى قرب المغيب ثم يبيت ليبدأ مرة أخرى، ولكن بعدما تجرب بنفسك أراهن أن تنقلب شفقتك إلى غبطة أو حتى حسد على المتعة التي أحسها في طريقه. من أهم خطوات أي رحلة طويلة بالدراجة تحديد خط السير مع نقاط الراحة والنوم، والمسافات المقطوعة في كل مرحلة. في رحلتنا هذه خططنا أن نبدأ من مدينة حقل شمالا بعد أن نصلها بالسيارة ونسلك طريق الساحل إلى شرما جنوبا. ولكن حين فصلنا المسار اكتشفنا أن الطريق الساحلي من حقل مغلق باتجاه الجنوب. فاضطررنا لتغيير المسار جذريا لنبدأ من تبوك إلى شرما غربا ثم شمالا إلى الوادي، فبدلا أن يكون الطريق ساحليا أصبح أوله جبليا. ولم يسلك أي منا هذه الطريق من قبل فقدرنا أماكن التوقف والنوم حسب الخريطة. كان خروجنا في الصباح الباكر من تبوك من فندق هوليداي إن، مررنا بالطريق الدائري محاطين بالرمال البيضاء إلى طريق ضباء الذي يصطف ببائعي مستلزمات الرحلات، وغادرنا العمران والطريق تحيط به تكوينات صخرية شاهقة كأنها تحرسه  وتحف بها الرمال الصفراء، وصخور تشبه القصور وبعضها كالسفن.

تشكيلات صخرية – طريق ضباء

اليوم قصير في أيام الشتاء، ولتكسب المشي في ضوء النهار تحرص أن تخرج في الصباح الباكر، فتفطر إفطارا ثقيلا بالبروتين والنشويات فهي مثل تعبئة وقود السيارة قبل السفر، وتتزود بالماء وبأكلات أو حلويات تدسها في جيبك لتعويض ما استهلكته في الطريق، فلا تعلم بالضبط متى وأين الوجبة التالية. وقد يكون الترقب ذلك هو جزء من المغامرة، والتي قد أسرد بعض تفاصيلها في مقال لاحق. 

آثار الشاطيء – قيا.

المتعة في الصبر

الصبر هو مصدر متعتك، وتركيزك مهم وقوة إرادتك أهم، فأنت تقوم بنفس العمل الروتيني المضني عضليا لساعات وساعات وهو التدريج (أي تحريك دواسات الرجل بحركة دائرية) فتكتسب قوة التحمل، وفي المقابل تستمتع بطعم مختلف لرشفة الماء، تتذوق حبة الموز على الجوع، تسعدك أمور صغيرة فتتحمس وتتهيب لصعود طلعة وتفرح لسرعتك في النزلة. ترحالك بالدرّاجة ليس مجرد جهد وتعب بل فيه دروس في تحسين حياتك أهمها تعلم المثابرة. أمامك مشوار طويل يجب أن تقطعه، والطريقة لذلك هي أن تحرك رجليك، وتستمر في ذلك إلى أن تصل. إن تعبت فعليك الراحة وأنت تتحرك، وتنسى الألم، وتضغط رغما عن الألم، ثم فجأة لا تحس بالألم وتستمر لمسافة لم تكن تتوقع أن تستطيع قطعها. ترى الطريق طويلة ومستحيلة فتتناسى نهايتها وتركز فقط على تجاوز المرحلة الحالية، تضع لنفسك أهدافا مرحلية، هذه الطلعة، هذه النزلة، إلى المنحنى القادم، ثم فجأة تجد أنه لم يبق على النهاية إلا مسافة بسيطة وتحس أنه بوسعك مضاعفة المسافة وينتابك شعور عارم بالإنجاز.

التعاون يقصر الطريق

التعاون وعمل الفريق مهم للدراجين. أنت كدرّاج يضيع أكثر جهدك في مقاومة الريح خصوصا إذا كانت معاكسة، لذا تستفيد من الالتصاق بالدرّاج الذي أمامك لتنساب بسهولة، ولذلك ترى الدراجين يسيرون عادة في كوكبة (مجموعة) يتحمل فيها الدراج في رأسها أقوى مقاومة للهواء ويستفيد من خلفه من الانسيابية، ولهذا يتناوب الدرّاجون على خانة الرأس الصعبة ليسهلوا الطريق على من خلفهم، والتحدي في الكوكبة هو عندما يكون من أمامك سريعا، فعليك أن تبذل جهدا مضاعفا لتجاري سرعته، لأنك إن لم تجاريه فالبديل أسوأ وهو التأخر عن الكوكبة ومواجهة الريح وحدك. من أجمل ما في الترحال بالدراجات  كونه نشاطا اجتماعيا تقوى فيه علاقتك مع زملائك.

الطريق طويلة

تحدث مع نفسك

ركوب الدرّاجة لا يشترط تفريغ أوقات طويلة، فإمكانك أن تتمرن بشدة في ساعة أو تسافر لساعات. ولكن أكثر ما يعجبني في الترحال بالدرّاجة هو الحديث مع النفس، فعندك أوقات يعمل فيها جسدك ولَك الحرية بما تشغل فيه ذهنك، فلك أن تسبح الله وقتا، وتتفكر في خلق الله وقتا، وترتب أفكارك ومشاعرك وقتا. ليس الكل يهوى الدرّاجات، وهذه الفوائد ليس حصرا على راكبيها. فمن أي جهد رياضي أو ترحال أو مغامرة يمكنك استخلاص فوائد تتعدى تغيير الجو والتمرين الرياضي وتحدي الملل، خصوصا إن تملكت مهارة حديث النفس.

نقطة النهاية- وادي طيب اسم

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.