عندما تسد في وجهك السبل وتشتكي إلى صديق أو قريب تأتيك النصيحة مذيلة بالمثل الشعبي «إذا ما طاعك الزمن طيعه»… وعندما تتفكر في هذا المثل العربي تجده لأول وهلة عين الحكمة، فهو ينصح بالانحناء أمام الأزمات لمجاراة الظروف. ففي مقابلة الظروف القاهرة ماذا في اليد غير الرضا والتسليم؟
لكن عندما أتمعن بالتفكير فيه يتبادر إلى ذهني عدد من التساؤلات المحيرة…
ماذا لو كلنا أطعنا الزمن بمعنى أن نستسلم للظروف، هل نكون فاعلين في تغيير واقعنا الى الأفضل؟ فلو تجاوزنا تضليل الألفاظ لأدركنا أن الزمن ما هو إلا كناية عن الظروف الراهنة، فكيف تتغير الظروف إن لم نغيرها نحن؟
لهذا أفضّل أن أفهم المثل على أنه يحث الإنسان على التكيف مع تطورات الزمن ومستجداته والتأقلم على ما هو جديد وإن كان غير مألوف، ولا يدعو للسلبية والاستسلام، وبعد العمل على تغيير ما باليد تغييره، أن يجعل من الوقت كفيلًا بحل المشكلات خارج السيطرة.
حتما الزمن لا ينتظر أحدًا، والزمن أيضًا هو خط حياتك الذي تعيشه. مما يعمق أهمية الموازنة بين الاستمتاع بالوقت من جهة واستغلال الوقت في الإنجاز من جهة أخرى. في مقال سابق لي بعنوان “مهلا! لك العذر أن تتأخر“ تحدثت فيه عن الوقت الذي نخاله ضائعا ودخولنا دوامة من العجلة المفتعلة في مطاردة سراب بدلا من أخذ وقت كاف للاسترخاء والاستمتاع باللحظات التي نمر بها. وفي المقابل فإن الزمن هو مقياس الأعمال والإنجاز، فكما يقول جبران خليل جبران
«الزمن نهر يجتاحني، لكنني النهر؛ إنه نمر يدمرني، ولكني النمر، إنها حريق يستهلكني، لكني النار»،والذي أفسره بأن الوقت يجري رغما عنا ولكن بمقدورنا مجاراته وتطويعه لصالحنا. ولأجل أن “نطوّع الزمان” يجب أن نبدأ من أنفسنا ونبادر بتغيير ظروفنا، وهو ما يعني تغيير منظورنا بأن ندرك بأن الظروف ليست حتمية وليست بالضرورة دائمة، ثم نعمل على التغير. فالتفكير بإيجابية نهايته النجاح وتحقيق الطموح والآمال. كما قال الشاعر التونسي أبي القاسم الشابي: «إذا يومًا الشعب أراد الحياة … فلا بد أن يستجيب القدر». فالأمور الصعبة والتحديات بعدها ستبقى من الذكريات وتخطيها لدي هي نكهة الحياة السرية! أما الاستسلام هو البداية لدوامة منتهية بالسقوط، فظروف الحياة قلما تتحسن من تلقاء نفسها كما يقال أن الحظ لا يتأتى إلا للمستعد والمبادر. أخيرا: من الحكمة أن نحني رؤوسنا للعاصفة أحيانا، وهذا لا يعني استسلاما ولكنه تراجع مؤقت لقفزة أكبر كما نفعل في تمارين ألعاب القوى، وهذا هو المعنى المحبذ لإطاعة الزمان.
