القيادة عن بعد في حد ذاتها تحد كبير، وذلك لأنها تقلل من عامل التواصل البشري الذي يطغى على المقابلة الشخصية وتفتقد إلى الحرارة والحميمية والعفوية التي يجدها من يقابلك، وتفتقد أيضًا للغة الجسد ونبرة الصوت ورهبة المكان. فما بالك عندما تضيف عليها تحد هو المجهول أو عدم الحتمية. حينئذ يتضاعف التحدي ويتحول إلى معضلة.
فهناك عدم وضوح حول ما سيحدث مستقبلًا… وهناك احتمالات عديدة لتطور الأمور وهناك عدم فهم لأبعاد الوضع الحالي…
فهو كأنك تقود سيارة نظام التحكم بها مختل في المطر في طريق ترابي جبلي ترتاده لأول مرة وعلى عينيك عصابة!
القيادة تتطلب علاقة إنسانية بشرية، والفريق متفرق كل في جهة، فهناك تحد في العلاقة مع القائد وهناك تحد في العلاقة بين الزملاء، ففي العمل عن بعد تقل فرص التصادف في الممر والجلوس للغداء أو أخذ القهوة سويا وهذا يقلل من عفوية علاقة العمل.
إذا كانت العلاقة عن بعد تحد، فكيف التعامل معه؟
وجدتُ أنه من المفيد تحديد تكرار معين (مثلًا يوميًّا في ساعة معينة) للتواصل بالإضافة إلى خلق فرص إضافية للحديث مع فريق العمل (حتى لو لم يكن هناك موضوعا حاميا). أيضا من المفيد فتح قنوات تواصل للزملاء مع بعضهم البعض من خلال فرق عمل أو لجان. في رأيي يجب أن يتضمن التواصل الجانب الاجتماعي أيضا والذي يبني العلاقة بين أعضاء الفريق، ولا يقتصر فقط على مواضيع العمل الجافة كأن يتناوب الأعضاء في سرد أطرف موقف مر بهم في العمل عن بعد أو أن يرتبوا لوجبة جماعية عن بعد.
والقيادة تتطلب وضوح في الوجهة.في غياب الرؤية أو الوجهة وبسبب عدم اليقين من المستقبل والتغييرات اليومية الكبيرة في البيئة قد يضيع الفريق. لذا يتعين على القيادة تلمس الطريق في عالم مظلم وغابة متشابكة مستعينين بتوجه عام وكاشف هو حدس وقراءة أولية للموقف واسترجاع للماضي في تجارب استخلصت العبر منها. يتعين اختيار طريق والالتزام به رغم عدم التأكد من نهايته، كما يتعين على القائد أن يسير بالفريق خلال هذا الطريق غير المضمون وغير الواضح والسير فيه؛ لأن البديل هو المراوحة في مكان واحد أو التخبط من طريق إلى آخر دون إنجاز أي شيء ذي قيمة.
في العمل عن بعد حينما تختلط بيئة العمل مع المنزل وأعمال العمل مع الأعمال المنزلية والطبخ وصراخ الأطفال المحتجزين هم أيضا في المنزل، يتطلب وضع حدودًا مرنة بين العملين لئلا يطغى أحدهم على الآخر. ولئلا يُفتقد التركيز في العمل ولا العفوية وراحة البال في المنزل. فالتقسيم قد يكون بتوزيع الوقت أو باختيار المكان لكل نشاط مع مرونة مستحبة في الحدود بينهما؛ لئلا تكون ضيفا ثقيلا في بيتك يُرجى الخلاص منك إلى المكتب.
القائد الناجح هو من ينجح رغم المصاعب. ومع عملٍ عن بعد في بيئة من عدم اليقين تؤثر على الجميع، فإن من يتكيف معها أسرع ويتجاوب بفعالية من خلال توثيق العلاقة مع الفريق وتحديد وجهة محددة وتحفيز على السير فيه، يتجاوز المرحلة قبل الآخرين.
Pingback: في ظل تقبل التغيير: لماذا يصعب علينا تقبل العمل عن بعد؟ - مدونة بدر بن حمود البدر