كيف تتحول من مستفيد إلى صانع أثر؟

تمكين الشباب

بحكم مجال عملي في مجال تمكين الشباب وحواراتي المستمرة معهم – سواء من فريق عملي أو أسرتي- سمعت الكثير عن قصص نجاح بدأت من فرص لم يتوقع مقدميها أنها ستصنع أثر كبير، ولكنها تركت بصمة فارقة وكانت انطلاقة لإنجازات وطنية وعالمية. قابلت في العديد من المناسبات عددًا من الشباب ممن أحسنوا اغتنام الفرص وغيروا بها حياتهم وحياة من حولهم، في الوقت الذي قدمت فيه نفس الفرصة لغيرهم ولكنها تركت أثرًا محدودًا جدًا.

اترك الباب مفتوحًا لمن بعدك

قبل أسبوع وأثناء مشاركتي في منتدى مبادرة مستقبل الاستثمار في نسخته الخامسة، وبينما كنت منشغلًا في التحضير لكلمتي عن الاستثمار في الشباب، اقترب مني أحد الشباب للتعريف بنفسه.

بدأ محمد في سرد قصته، وكيف استطاع بفرصة واحدة أن يغير الكثير في حياته ويؤثر في من حوله. محمد حصل على درجة البكالوريوس في الهندسة الكهربائية من إحدى الجامعات الأمريكية. أخبرني محمد أنه أدرك في آخر فصل دراسي له أن ميوله المهنية بعيدة عن مجال دراسته، وأنه في هذه الأثناء سمع عن أحد برامج مسك بالشراكة مع جامعة دريبر فقرر الانضمام للبرنامج.

كانت الفرصة عبارة عن برنامج تدريبي في “سليكون فالي”، وهي الوجهة التي كانت على حد تعبيره “أقصى طموحه”. التحق محمد بالبرنامج وأمضى ٣ أشهر. تعلم فيها الكثير عن ريادة الأعمال والاستثمار. وأدرك أنه التقى بشغفه أخيرًا واعتبر البرنامج علامة فارقة ونقطة تحول في حياته المهنية.

أخبرني محمد بأنه قدم جهودًا لنقل خبراته، وتوصياته للطلاب الراغبين في الالتحاق بالبرنامج لتعظيم استفادتهم منه. ومع مرور الوقت أصبح سفيرًا لهذا البرنامج. أنشأ محمد مجتمع يضم مجموعة من الشباب السعوديين العاملين في أكبر الشركات هناك مثل: فيسبوك، جوجل، وأمازون وغيرها، لتبادل الخبرات معهم، والتعرف على قصص نجاحهم. محمد يعمل الآن في مجال الاستثمار في الشركات الناشئة. ويواصل نجاحاته في المجال الذي اختاره ولم يفرضه عليه تخصصه الجامعي.

ما يميز قصة محمد أنه صنع فرص كثيرة من فرصة واحدة. لم يكتف بحصر الفائدة على نفسه. بل وسع نطاقها ونقل أثرها لمن حوله. كان من الممكن أن يكتفي بالحصول على شهادة التدريب وينتهي عند هذا الحد. ولكن شغفه وذكاءه في اغتنام الفرص فتح له آفاق جديدة وساعده على خلق تجربة مميزة. من مستفيد عادي إلى سفير يقدم قيمة حقيقية لمن حوله وشريك حقيقي لمسك في نشر المعرفة واستدامة الأثر.

تمكين الشباب بين الأمس واليوم

في كلمتي في منتدى مبادرة مستقبل الاستثمار، تطرقت أيضًا لقصة تجسد معنى اغتنام الفرصة. وتحويل فائدتها إلى أثر عظيم يمتد لمجتمع بأكمله. قصة شخصية أشهر من نار على علم. اغتنمت فرصتها بذكاء، وصنعت منها واقعًا مختلفًا حتى أصبحت من أكبر المؤثرين في مجالها. تضمنت كلمتي قصة نجاح وزير البترول السابق علي النعيمي. وكيف استطاع أن يتحول بفرصة واحدة من شاب فقير إلى الرئيس التنفيذي لأكبر شركة نفط بالعالم. حقق النعيمي نجاحات عظيمة أثرت فيمن حوله. ودعم الكثير من الشخصيات البارزة بمن فيهم الرئيس التنفيذي السابق لأرامكو السعودية عبدالله جمعة.

الشباب ثروات لا تنفذ

لا يخفى على أحد أن تمكين الشباب، وتقديم فرص متنوعة لهم يلعب دورًا جوهريًا لبناء مجتمعات مزدهرة ونابضة بالحياة. فهم رواد رحلتنا للمستقبل، وتمكينهم هو اختصار لطريق طويل نحو تحقيق تطلعات الوطن. بتقديم الفرص للعقول الشابة سنستطيع مواجهة التحديات المعاصرة والظروف الجديدة. فلا يصح أن نحل مشاكل المرحلة وتحدياتها بالاعتماد فقط على الخبرات بدون تفعيل دور جيل كامل يمثل نسبة 38% من سكان المملكة. يأتي دور الحكومات والقادة بتوجيه الشباب عند تقديم الفرص لهم، وتوضيح مسؤوليتهم تجاه الفرص المقدمة مما يحسن معايير أعمالهم وقدرتهم على الابتكار وإيجاد حلول متجددة تسرع مسيرة التطور.

بين الشغف والتحديات

يواجه الشباب تحديات لا حصر لها. سواء على الصعيد التعليمي، أو الصحي، أو المهني، وغيرها من جوانب الحياة. لذا فهم بحاجة لجهود كبيرة لفهم ما يواجهونه، وتمكينهم بأقصى درجة ممكنة. فهم يعيشون في عالم معقد تتسارع فيه وتيرة التغيير وحدته، مما يصعب عليهم إيجاد مصادر الإلهام الحقيقية ومعرفة مكامن قوتهم. وهنا يأتي دور المؤسسات والقادة لإضاءة طريقهم وتذليل الصعوبات التي تواجههم وتشجعيهم على الانطلاق.

الأمثلة عديدة ولا حصر لها لما يواجهه الشباب من تحديات. لعل من أهمها اختيار التخصص والمسار المهني، وهذا التحدي واجهني شخصيًا خلال مسيرتي المهنية، وكانت أثمن هدية تلقيتها كشاب في مقتبل العمر نصيحة وصلتني وأنارت جوانب غير مرئية بالنسبة لي وساعدتني على اتخاذ القرار.

تمكين الشباب حاجة ملحة

“الشباب هم قاعدة كل البلدان وهم حملة شعلتها والأيدي التي تبني حاضرها وقادة مستقبلها، فلذلك كان التركيز عليهم هو الأساس في أي حراك تنموي وخطط طموحة لنهضة الدولة وعزها ورفعتها” سمو ولي العهد – محمد بن سلمان

تجسيدًا لهذه المقولة التي تعكس إيمان سمو ولي العهد وقادة المملكة بقدرات شباب الوطن، خصصت العديد من المؤسسات قدراتها الكاملة لفهم التحديات والفرص الحالية التي تواجه الشباب. على سبيل المثال أطلقت مسك سابقًا مؤشر الشباب العالمي Global Youth Index (GYI)؛ وهو إجراء بحثي عالمي يغطي 30 دولة. واستطلاعات رأي لأكثر من 31500 شاب. نظرت مسك في كيفية إعداد البلدان لشبابها لاقتصاد مبني على المعرفة. من خلال تقييم التعليم، والتوظيف، والصحة، وغيرها من الموضوعات الرئيسية ذات الصلة بالشباب اليوم.

من أهم البيانات التي أظهرها المؤشر أن 54٪ فقط من الشباب يشعرون بأنهم ممكنون في العمل (نعني بالتمكين هنا الاستماع إليهم ومشاركتهم في عمليات صنع القرار المهمة). وفيما يتعلق بالمهارات والتوجيه 60٪ فقط أشاروا إلى أن تعليمهم قد أعدهم بشكل جيد أو ممتاز لوظائفهم الحالية أو السابقة. و51٪ من الشباب حصلوا على استشارات تخص مستقبلهم المهني و42٪ لم يحصلوا على فرصة تدريب كجزء من خطتهم الدراسية، بينما لم يتلق 57٪ من الشباب تدريبًا حول كيفية بدء عمل تجاري.

هذه الأرقام تظهر لنا مدى الحاجة لبذل جهود أكبر من أجل تمكين الشباب خصوصًا فيما يتعلق بحياتهم المهنية. لحل هذه التحديات التي يواجهها شبابنا قدمت مسك وغيرها من الجهات التي تعنى بتمكين الشباب مثل الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي، ووزارة الاتصالات وتقنية المعلومات والهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة وغيرها برامج متعددة في القيادة، وريادة الأعمال، والمهارات، والاستشارات المهنية وغيرها من المجالات من أجل تهيئة الشباب للمستقبل الذي نطمح له من خلالهم.

أخيرًا، اسأل نفسك إذا كنت في منصب قيادي، ما الذي أفعله الآن لدعم من حولي وتمكينهم؟ وإن كنت شابًا أنصحك بالبحث عن فرص تطويرية سواءً عن طريق مسك أو غيرها واصنع أثرًا يفيد مجتمعك ووطنك.

الردود

  1. فهد عثمان الكعيك :

    تهيئة المناخ للإبداع وإنكار الذات وإستمرار العطاء،،، والدعاء لكم ولأمثالكم،

  2. أحمد ال صوفان :

    لا شك بأن الشباب وقود المجتمعات بهم يتم تحقيق الطموحات و الوصول لرؤية ذات أثر متعدي دورنا يكمن في استقطاب من يحمل شغف التطوير و المبادره و تمكينه لتحقيق التطلعات ولا يقتصر النجاح في جانب واحد فقط بل يستطيع من لديه المهارات تجاوز كثير من العقبات ببناء مشروع مجتمعي بدعم فريق عمل يحمل كفاءه و انتماء للمشاريع المطروحه لذلك ابحث عن شغفك و نوع خياراتك شكرا لمقالتك المميزه د. بدر

  3. Mohammed Alomair :

    لطالما وودت الانضمام لبرامج مسك، ولكن طبيعة دوامي تجعل الفرص ضيئة جدا ولا أستطيع الانضمام فيها، آمل أن أجد الفرصة لأتلقى المعرفة التي أحب، وأمارس شغفي بالتعلم المستمر والأكاديمي وأسعى لصنع أثر يترك بصمة مؤثرة وملهمة بصدق وأمانة.

  4. عبدالهادي العاصمي :

    بحاول ما اكون سلبي، لكن اصحاب القرارات في كثير من الجهات الحكومية والخاصة هم افذاذ واكفاء لكن بعقلية التحوط والخطوات التقليدية المحدودة النجاحات والقدرات.
    عشان نوصل ان يكون فيه اكثر من (مسك) واكثر من مواقع تمكين للشباب مثلما تفعل مسك ، نحتاج لأن يتم تخصيص ما نسبته ١٥٪ ع الاقل في كل وزارة، ادارة، هيئة، للابتكار والخروج عن المألوف بطريقة عقلانية طبعا. اسمح لي اسرد لك قصة شباب اجتمعوا للمشاركة في مسابقة للوصول للفضاء بأقل تكلفة والهدف هو الفوز بالجائزة كانت قيمتها ٢٠ مليون دولار اعتقد. المهم انهم بدأو وحسبوا خطة العمل (فكرة مجنونة وكانت ستجد كثيرا من … لا مستحيل تصير، من جدك تضيع وقتك وفلوسك ، شوف لك شي احسن وارخص ) وبحسبة رياضية توصلوا لطريقة للوصول للفضاء بصاروخ متواضع التكلفة ومردود انعكس بنتائج كالتالي:
    ١. هؤلاء الشباب هم نواة تأسيس وكالة فضاء في دولتهم.
    ٢. دولتهم تملك افضل نظام دفاع صاروخي سمي بـ القبة الحديدية.
    ٣. دولتهم تملك ارخص خط دفاع جوي فعال بقيمة منخفضة التكلفة.
    ٤. يمتلكون ١٤٠ عالم فضاء
    نعم كل هذا بدأ بفكرة
    لذلك نحتاج لأكثر من مسك

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.