سحق البعوضة: كيف تتعامل مع صغائر الأمور

تخيل نفسك تغلق عيناك لتخلد للنوم في نهاية يوم طويل متعب وسهر يوم سابق، تبتسم وأنت ترخي رأسك في الوسادة تستشعر نعومتها وتغطي طرفك بالغطاء لتستشعر الدفء، وفيما أنت بين الصاحي والنائم تتخيل صوتا رتيبا حادا لا تدري هو من عالم الأحلام أم اليقظة، صوتا يأتي من بعيد ليقترب ثم يبتعد ثم يقترب مرة أخرى لتتبين أن هذا الصوت البغيض هو أزيز بعوضة تحوم حول رأسك وتمر بإذنك في مناورة لامتصاص دمك.

وقتها لديك خياران إما أن تتجاهل الموقف كاملا وتكمل محاولتك (غير المضمونة) وأن تخلد للنوم، أو أن تترك النوم رغم لذته مؤقتا للتعامل مع البعوضة.

في الحياة هناك ما أسميه بنظرية البعوضة وهي منغصات صغيرة لن تؤذيك بشدة ولكنها تشتت انتباهك عن هدفك وتفسد مزاجك، والأدهى أنها إذا لم تتعامل معها ستستمر في التنغيص عليك، مثلها مثل البعوضة.

ونظريتي مؤسسة على أن فعل سريع مؤقت خير من تنغيص بسيط مستمر. وهذه الفرضية يمكن اختبارها في حياتنا اليومية؛ في العمل والحياة الخاصة.  ولقد تبادرت إلى ذهني في بيئة العمل إثر تكرر مشكلة صغيرة في الاتصال كانت تؤخر بداية كل اجتماع. وفي يوم ما بعد طفح بنا الكيل، قررنا أننا سنقتل البعوضة! وبالفعل أخرنا اجتماع ذلك اليوم وركزنا على حل مشكلة الاتصال من كل أطرافها، ثم أصبحت المشكلة الآن من الذكريات.

هناك أشياء كثيرة في الحياة ينطبق عليها نظرية البعوضة ابتداء من حنفية ماء تسرب نقطا إلى مشكلة إدارية أو التعامل مع عضو غير فعال في الفريق. ما بين أن تتحمل على المدى الطويل أو أن تبذل الجهد مرة واحدة وتتعامل مع الموقف بحسم… الخيار لك، يمكنك إبراز الكارت الأحمر بسرعة أحيانا وأنت تبتسم، فهذا اللاعب أو الموظف ليس معركتك الصحيحة، فلديك نهاية عادلة وجديرة بك، تريد أن تصل بالمباراة أو بالشركة إليها.

التحمل على مضض والحسم ليسا هما الخيارين الوحيدين للتعامل مع “البعوض”، فالمنغصات اليومية هي صغائر الأمور لو وضعتها في إطارها الأكبر الصحيح والواقعي، بالعودة إلى مثال الموظف المزعج يمكنك تجريب أحد أسلوبي تغيير المنظور للتخلي عن مشاعر الغضب أو المرارة نحو هذا الأمر المنغص.

الأسلوب الأول: تبديل الموقع. انظر إلى الوضع من ثلاثة مواقع مختلفة:

  1. وجهة نظرك أنت.
  2. وجهة نظر الطرف الآخر.
  3. وجهة نظر من أعلى، وهي التي تمثل الرؤية الأكثر ترفعا وشمولية.

وهكذا يتغير منظورك ويتسع ويلين موقفك، وبما تبتسم في النهاية… جرب فقط هذا السيناريو:

  1. انتبه: أنت تنظر الآن من موقعك أنت، أي من وجهة نظرك أنت.
  2. تعرف إلى الانفعالات التي تملأ صدرك الآن، اختبر مشاعرك كما هي بدون إدانة، وابق معها للحظات.
  3. تخيل الآن المشهد من موقع الشخص الآخر.
  4. لاحظ كل العواطف والمشاعر التي لابد أن الشخص الآخر يكابدها ونحوك.
  5. اسمح لمنظورك أن ينمو ويتسع، تخيل نفسك واقفا في منصة عليا تتيح لك النظر من فوق إلى شخصك وإلى الشخص الآخر، وما يجري بينكما. ماذا ترى؟ ماذا تسمع؟ ماذا تشعر بشأن المشاركين في الخلاف مثلا؟
  6. تعرف إلى الحقيقة وتحسسها من خلال مواقع النظر الثلاث، ولاحظ شعورك بالاتساع والحرية، واستقبل بفرح هذا الوعي الجديد.

الأسلوب الثاني: حوّل مسرحيتك الدرامية إلى مسرحية كوميدية، فعندما تبدأ مشاعرك بالتأجج تجاه منغصات صغيرة، وهو أمر يتكرر بصورة كبيرة، عند ذلك قل ببساطة لنفسك: “لقد بدأت تمثيليتي” وفي أغلب الأحيان يخفف ذلك من جديتك الزائدة في رأى ريتشارد كارلسون، مؤلف كتاب “لا تهتم بصغائر الأمور”. وهذه التذكرة البسيطة من التحول عن هذه الدراما إلى محطة تليفزيونية أخرى ربما تساعد أحيانا في تعاملنا مع المنغصات اليومية.

ليس مكتوبا عليك أن تستمر في تحمل المنغصات الصغيرة المتكررة، فالأجدى أن تستجمع الجهد والشجاعة لتتعامل معها بحسم، أو أن تختار أن تغيّر منظورك لها لتخرجها من دائرة المنغصات. ففي المرة القادمة التي تشعر فيها بالتوتر جرب تحويلة الوعي هذه، وذكر نفسك أن الحياة ليست حالة طوارئ، وحول حالتك الدرامية إلى حالة من البهجة… ارفع الكارت الأحمر بسرعة وأنت تبتسم.

الردود

  1. أحمد ال صوفان :

    سرد جميل كم نحن بحاجة للتوقف للحظات في مشوار حياتنا لإعادة النظر في بعض الصغائر التي تعيق طموحاتنا حقيقة (كل الامور صغائر) شكرا لك د. بدر .. قلم و فعل و قياده استمر في التدوين

  2. Sa'ed Gossous :

    Thanks Bader for this article. You made me smile for sure.

    Today I asked our exec team to take out the morning part of the day off from our scheduled meetings to go ahead and deal with their “mosquitos”.
    It’s amazing how this ended up being a reminder of the famous line: إِنَّ البَعُوْضَةَ تُدْمِيْ مُقْلَةَ الأَسَدِ

    It has been an interesting after noon, we asked two misaligned execs to write down on a piece of paper what they though the other party perspective was, and write down their own perspective. Then we asked them to exchange the 2 papers and read loudly to the rest of the team.

    I think people confuse confronting situations with being rude, and as they say the road to hell is paved with good intentions, or as I heard it best “assumptions are the route of all evil”l…

    What would be interesting to hear from you is how you see getting this to become an integral part of the day to day management of
    our work, a management system that raises a red card, pauses the game, and gets teams to address the noise

    Take care

    Sa’ed

  3. Pingback: لمن تشتكي عندما يخطئ عليك مديرك؟ - مدونة بدر بن حمود البدر

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.