تخيل نفسك في مطلع عام 2020م، وأنت تكتب خطة العام

تخيل أن يقول لك أحد وقتها: “خطط لعام مغاير”!

عام سيكون فيه كل شيء مختلفًا عما اعتدته!

عام ستُشل فيه حركة الطيران تمامًا، ويُمنع السفر حتى بين المدن القريبة، ويُحظر التجول فيه طوال اليوم، وتظل خلاله حبيس المنزل لأشهر.

هل ستتقبل الفكرة وتخطط لهذا السيناريو؟

ماذا لو قيل لك أيضًا أن حركة الاقتصاد العالمي ستتوقف،

 وأن التحول الرقمي سيتسارع لدرجة أن يستخدم الجميع تقريبًا خدمات الشراء الإلكترونية، وتغص شركات التوصيل بالطلبات!

ماذا لو علمت أنك ستُمنع من السلام على أهلك وأقربائك؟ وإن التقيت بهم، ففي تباعد!

وأن الجميع سيرتدي زيًا جديدًا، “كمامة” على وجهه يتنقب بها أينما ذهب؟

ماذا لو أصبح اللقاء عبر الشاشة في اجتماعات العمل هو الطبيعي، واللقاء الواقعي استثناء ومستغرب!

ماذا لو عرفت أن إصابتك بالعطاس والكحة، ستثير من حولك وتجعلهم يهربون منك هروبهم من المجذوم!

ماذا لو تساقط المصابون من حولك، وأنت في خوف أن تكون التالي.

لو قيلَ لكَ كُل هذا هل ستصدق؟ 

سيكون جوابك على الأغلب: كلا!

للأسف قصة الخيال السينمائي أصبحت هي واقعنا اليوم…

ولكن، كيف تعامل البشر مع كل ما حدث؟

كانت هناك جهات مستعدة أفضل من غيرها، من حيث الملاءة المالية، والإمداد، وتهيئة الموظفين بالتدريب، والتمكن من وسائل التقنية لاستمرار العمل عن بعد.

فيما كان الفشل والإغلاق مصير جهات كثيرة أخرى.

وعلى مستوى الأفراد، فهناك من تعامل مع معطيات الواقع حسب متطلباتها وشكلها الجديد، وهناك من انكفأ على نفسه بالأسى، وقلة الحيلة، في انتظار تغير الأحوال. 

ما الإلهام هنا؟

مهما خططنا لن نعرف ما يملك لنا القدر، فالمستقبل يحمل من الأمور ما تأثيره على الشخص كبير، لا يلزم أن تؤثر عليه جائحة عالمية، بل قد تكون حوادث في واقعها صغيرة لكنها قاسية جدًا وتأثيرها عظيم.

نحن نعيش حياة مستقبلها مجهول بالنسبة لنا، ستحدث أمورًا مقدرة لا إرادة لنا فيها ولا اختيار وهي مليئة بالخير وإن لم يكن ظاهرها كذلك، لكن الله -سبحانه وتعالى- منحنا حرية وتقدير اختيار ردة فعلنا لما يقع لنا من أحداث لنصوب الأمور، ونقتنص الفرص من ثنايا القدر.

ما اختيارك؟

أمامنا ثلاثة خيارات إذا مر بنا ظرف قاهر: الرفض والمقاومة إلى آخر أدبيات المأساة الإنسانية من إنكار يوصلنا لنتائج عبثية على الأرجح،أو الرفض مع محاولة التكيف مع الحال الصعب المقدر على الجميع، ومحاولة تقليل خسائرنا والاستمرار مدفوعين بنزعة البقاء، وهذا هو الخيار الشائع، وأخيراً قبول الواقع والثقة في القدر الذي كتبه الله لنا، وما يحمله لنا دائماً من خير وفرص ذهبية، لا تنشأ ولا تتاح إلا في ظرف قاهر كالأزمات.

فرصة من قلب الألم!

أصحاب الخيار الثالث، منهم من يشكر كورونا مرتين، مثل جيف بيزوس – مؤسس شبكة أمازون العالمية – فقد أكسبته 5.5 مليار دولار؛ ليصبح إجمالي ثروته 120 مليار دولار.

ويرى البعض أن المؤسسات الرقمية تبدو اليوم كحفار المقابر، كلما زادت الأزمة زادت مكاسبهم، لكن في الجانب الآخر نعترف بأنه لولا تقنية الاتصالات الرقمية لما تمكنت الحكومات من إدارة شؤون البلاد، بداية من المعاملات المالية إلى العمل والاجتماع عن بعد، وإلى منصات التعليم الإلكترونية. إن إدارة ظرف كهذا هي إدارة فرصة جديدة في قلب تحدٍ لك ولمؤسستك.

ربما تتبع الغالبية الخيار الثاني في القبول ومحاولة تقليل الخسائر، الأمر الذي اعتدنا عليه. لكن جرب أن ترى مرة الحقائق ، كالطفل لتأخذك إلى حيث تشاء هي، مثل حقيقة أن حياتنا غير متوقعة، لا تقدم أية ضمانات، لترى عبرها فرصًا تحقق بها أحلامًا كبيرة.

اترك الحياة تتكشف لك كما هي ولا تفزع، راقب واختبر ما تجده فرصة لك.

إن القبول بأقدارنا والثقة في الفرص التي يجلبها لنا القدر.. خيار تكون فيه أنت المنتصر.

تقبل الواقع، كن مستعدًا، اغتنم الفرص.

الردود

  1. MOHAMMED ALASKAR :

    مقال رائع…الزمان من الليالي، حُبلى يلدن بكل عجيب. للكون مُدّبر و الإنسان مخّيّر، فكم من محنةٍ في طيّها منحة. ( إن مع العسر يسراً، إن مع العسرِ يٌسراً)

  2. Pingback: في ظل تقبل التغيير: لماذا يصعب علينا تقبل العمل عن بعد؟ | مجلس نيوز

  3. Pingback: في ظل تقبل التغيير: لماذا يصعب علينا تقبل العمل عن بعد؟ - مدونة بدر بن حمود البدر

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.