غمض واقفز – وصفة ناجعة لتتجاوز الشلل في اتخاذ القرار

تقف أمام المسبح مستعدا للسباحة ولكن تتردد مرار في النزول وأنت ترتعش متخيلا برودة الماء. وقد يستغرق ذلك منك دهرا وبل قد تغير رأيك وتعدل عن النزول. ولكن عندما تنزل وتجاوز الثواني الأولى من صدمة البرد الغالب ما تسخر من ترددك وتستمتع بالسباحة. كثير من مواقف الحياة مثلها، الخوف منها يفوقها. خوف يشل تفكيرك وحركتك، فيما أن أسوأ ما تتصوره قلما يتحقق. خلاف كبير مع شخص كنت أعمل معه فترة طويلة شكل لي تجربة مؤلمة وموقف محير. كنت أتخوف من اتخاذ قرار بناء على تهديدات هذا الشخص لي وتخيلي لتبعات محتملة لاتخاذ موقف حاسم معه. دعاني الخوف من ردة فعله إلى إطالة تحملي له ولإساءاته لي. ولكن عندما تشجعت وحسمت وضعي معه بعدما طفح الكيل، وجدت أن التبعات مع أن بعضها مؤلم إلا أنها أقل مما توقعت، والأهم من ذلك كله أنني تخلصت من الهم والغم والتخوف من حسم القرار. بعدها تندمت على طول صبري وتحملي للإساءة والتهديدات فيما كنت أستطيع التخلص من قيودي الوهمية والانطلاق مبكرا.

غمض واقفز (أو بالعامية غمض وطُب)

وصفة سهلة الوصف صعبة التنفيذ كثيرا ما نخالها عالية المخاطر، فيما أن مخاطرها قد تكون محدودة، ولا تحتاج إلا إلى حساب احتمالية هذه التبعات المتوهمة. وأحلى مافيها أنها تحرر روحك. هذه الوصفة ليست دعوة مفتوحة للتهور. ولكنها تدعوك لتجاوز الأوهام من خلال تحجيم المخاطر ووضعها في إطارها الصحيح. المخاطر المحسوبة هي أن تقفز في الماء البارد وأنت تعرف السباحة، أما التهور هو أن تقفز من أرتفاع عالي في ماء غير عميق وأنت غير مدرب. ونحن أطفال كنّا لا نحسب العواقب وكنا فعلا نتصرف بلا تفكير مما كان يدعو آباءنا إلى حمايتنا من خلال تعليمنا التأني في إتخاذ القرار في قطع الشارع مثلا. ولكن آثار هذه السياسة التربوية في كبرنا قد يكون رسخ فينا نوعا من التردد والتخوف الزائد. أحلى مفاجآت الحياة وخبراتها تأتي من تجربة الأكلات غير المعتادة والسفر للأماكن الغريبة والقيام برحلات فريدة وممارسة رياضات ومغامرات جديدة، وكل ذلك بحاجة إلى ذهنية غمض وطب. هي لن تخلو من بعض المنغصات والمكدرات بل وقد تصادف أن بعض التجارب سيئة وبعض الأكلات غير مستساغة وبعض الأماكن ليست بنفس الجمال الذي توقعت ولكنها تجربة تستفيد منها وتتجاوزها وتنتطلق. وما الحياة إلا التجارب التي عشتها وما الحكمة إلا الدروس التي تعلمتها منها. أجزم أن كل منكم (مثلي) لديه تجربة في الشلل في اتخاذ القرار بناء على توقعات خيالية للمخاطر. فلنجرب مجددا أن نغمض ونفقز.

الردود

  1. Ibrahim Alajaji :

    أستمتع و اترقب مقالاتك .. بسيطة في اسلوبها عميقة في معانيها ، تهدي لنا فيها عصارة خبرتك الكبيرة.

    شكراً لك

  2. محمد عثمان :

    ررائع أخ بدر…

    وأعتقد إضافة الى ذلك بحثنا عن الكمال في اتخاذ القرار يجعلنا نشعر بالخوف من النتائج.

    • Avatar photo
      balbadr@gmail.com :

      محمد
      صحيح. كثيرا ما يكون السعي للكمال هو الباعث على الشلل خصوصا عندما تكون البيئة متسارعة التغير.

  3. عبدالرحمن :

    فعلا وسبحان الله في معظم الأحوال نعلم يقينا بحصافة القرار أو على الأقل ضرورة المواجهة أو الفرار. حينما أعود إلى المواقف المشابهة في ظل مسيرتي المهنية الممتددة لعقد إلا طبتين، لسان حالي يقول ياليتني استعجلت في أخذ القرار عوضا عن ليتني لم أتخذ القرار.

  4. Pingback: كيف تنجح في قطاع جديد لا تعرف عنه شيئًا ؟ - مدونة بدر بن حمود البدر

  5. Pingback: 6 أشهرٍ من التحضير لـ 6 ساعاتٍ من الألم... وإنجاز لا يُقدر بالزمن - مدونة بدر بن حمود البدر

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.