لماذا ندخل أطفالنا المدارس؟

هل أصبح الذهاب للمدارس أقرب للعادة منه للحاجة؟

لو قلنا إنه للحصول على المعلومات، أليست المعلومات -الآن- متاحة في كل مكان؟

لماذا ندفع بأبنائنا إلى المدارس لتلقيم المعلومات؟

وهل نحن بحاجة إلى مزيد من الببغاوات الناجحة؟

هل العملية التعليمية مرتبة حول تطوير مهارات الطفل وتعليمه كيف يتعلم ذاتيًّا بأن يحدد هدفًا ويسعى إلى المعلومة ويقيمها بفكر ناقد ثم يتبناها ويوظفها، أم الغالب على العملية التعليمية تلقين وتلقيم للمعلومات؟ أقرب نسخة مطورة من سماع تكرار “ألف أسد باء بطة تاء تمرة” ليحفظها؟

والسؤال المحوري: هل تصنع المدارس قادة؟

التعليم العام يكلف كثيرًا من مرتبات معلمين ومباني وإداريين وهو عادة من أول ثلاثة مصارف للموازنات العامة، هذا على صعيد الخزينة العامة، أما على المستوى الشخصي فالتعليم الأساسي يستغرق ١٢ عامًا من حياة الطالب قبل دخول الجامعة.

إذا أرادت أي دولة أن تتقدم في هذا العصر، فهى تحتاج أناسًا مزودين بمجموعة من المهارات، تؤهلهم ليكونوا أصحاب مشروعات ومصممين وإداريين وقادة، ولم تصمم نظم التعليم الحالية لهذا النوع من الخريجين؛ لذلك حري بإعادة تصور التعليم ليلائم عالمًا مختلفًا جديدا. والعمل على أسئلة مثل: ما العناصر المهمة في تعليم يستحق أن تستثمر فيه السنوات التي سيدرسها أبناؤنا، ويرقى لصورتنا عن العالم الذي نريدهم أن يعيشوا فيه؟

من نموذج التعليم النظامي إلى التعليم المدمج

أثناء جائحة كورونا تَعرّفنا (مضطرين) على إمكانية الحصول على المعلومات خارج المدرسة، ووجدنا أنفسنا في مشهد مختلف تمامًا عن المشهد القديم الذي ولدت فيه أفكارنا حول المدرسة. وجدنا أنه لم يعد المربون التقليديون والفصول الدراسية والمدارس التقليدية ضرورية للوصول إلى المعلومات. ومع ذلك، مازال يركز حوار إصلاح التعليم على استخدام التقنية لتحديث نموذج التعليم التقليدي، بدون إعادة تقييم النموذج الأساسي الذي بني عليه.

لقد وفر الإنترنت طفرة في فرص التعلم لطلاب اليوم، حيث خلقت وفرة من المعلومات والمعرفة، كما تعرف الناس في الجائحة على بعض من هذه الفرص، وعلى نمط جديد من التعليم الإلكتروني التقليدي المدمج  (الهجين).

من المدرسة إلى نادى الأنشطة الطلابية

بنيت المدارس على فرضية أساسية وهي ندرة المعلمين والمعرفة والمعلومات. اختلف الوضع الآن بسهولة الوصول للمعلومات ووفرتها من خلال شبكات المعلومات. وجعل هذا الدور التقليدي للمدرسة لتقديم التعليم أقل أهمية.

وإذا واصلنا النظر إلى المدارس على أنها المكان الذي يذهب إليه أطفالنا لإتقان قائمة ضيقة من المحتوى والمعرفة والمهارات التي تم تحديدها في الأصل منذ قرن، فإننا نجازف بوضع هؤلاء الأطفال في اغتراب مع عالمهم المتغير. ومع ذلك، تكمن المشكلة في أن معظم جهود “إصلاح التعليم”تهدف ببساطة إلى مجرد تحسين ما كنا نقوم به، لكن تحسين وتجميل عملية تعليمية لا تأخذ في الحسبان هذا التحول الهائل الذي نحن في خضمه قد لا يأتي بنتيجة ملموسة.

بدلاً من ذلك، نحتاج إلى التفكير بشكل مختلف تمامًا حول التجارب والنتائج والمهارات التي نرغب فيها لأطفالنا عندما يأتون إلى المدرسة بعد نقل مهام تقديم الشروح والمعلومات من الفصول المدرسية إلى المنصات التعليمية، والتحول من نموذج الفصل الشائع إلى نموذج النادي لجعل تعلم المهارات من خلال الأنشطة الطلابية، والعمل في مجموعات صغيرة، وممارسة القيم بدلا من قراءتها.وبالتالي يتحول المعلم من شارح وملقن إلى منسق ومدير لنشاطات تعليمية، كما يمكنه أن يطور نفسه على الصعيد الشخصي من خلال البحث عن أفضل البرامج والدورات التطويرية؛ لاكتساب المهارات التربوية والقيادية والاطلاع على أفضل الممارسات التعليمية حول العالم، لتوظيفها وتحقيق الأثر المستدام في نظامنا التعليمي.

تطوير المهارات التواصلية وتخريج القادة

إن تطوير مهمة التعليم من تخريج حملة شهادات إلى صناعة القادة سيتطلب النظر إلى ما وراء الأسلوب الحالي وتطويره بزرع المهارات المطلوبة في المستقبل مثل القدرة على التعلم الذاتي والعمل بفعالية ضمن فريق، والتكيف مع بيئات العمل المتغيرة والتواصل الفعال، كل ذلك في إطار من القيم الممارَسة. (فإذا صحت الدراسات المنسوبة لجامعة هارفارد فهي تبين أن ٨٥٪ من النجاح المهني يأتي من المهارات الشخصية والتواصلية).

لذلك نحتاج اليوم لمشاركة المؤسسات في إنتاج عقول مفكرة وواعية، قادرة على إدارة وبناء مؤسسات المجتمع، والتقدم بالوطن نحو آفاق جديدة. و ذلك من خلال التعاون مع منظومة التعليم والعمل على تأسيس أكاديميات وبرامج تستقطب الشباب وتتميز بتوفيرها لأعلى المعايير التعليمية العالمية، وتوفر شراكات دولية للاستفادة من الخبرات المتميزة في مجال إعداد القادة من أنحاء العالم. هذه البرامج التي تستهدف طلاب الثانوية العامة والجامعات، ستكون قادرة على اكتشاف القدرات والمهارات المناسبة، والتي من المفترض أن تعمل على تطويرها لمنح الشباب القدرة على تحمل مسؤولية اتخاذ القرارات، والتي من شأنها خلق جيل مفكر قادر على العطاء في أصعب الظروف.

وبالنظر إلى أن الدراسات المقارنة لوضع التحصيل العلمي في المنطقة تبين أنه حاليا أدنى من نظرائه ، ندرك أهمية تبني نموذج جديد مبتكر لا يسعى ليلتحق بالركب العالمي فحسب بل من الممكن أن يتخطاه بادئا من المهارات المتطلبة للنجاح في العالم الجديد. وكما أن أجربت تجارب مقننة في السابق لنظم تعليمية جديدة (كنت أحد من درس فيها) فمن الحري تجربة نظم تعليم جديدة مبنية على المهارات.

حري بنا أن نفعل الحوار حول التحولات الجذرية المطلوبة في التعليم… ماذا لو قمنا بتخريج فنانين وصانعين للتغيير يتصرفون بجرأة وشجاعة في مواجهة عالم متغير؟ وماذا لو ربطنا التعلم بالحياة التي يتوقع أن يعيشها أطفالنا…

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.