4 مؤشرات تدل على حاجة منشأتك للتغيير

https://unsplash.com

يميل أغلب الناس إلى إبقاء الأشياء كما هي أو أن يظل الوضع الراهن بدون تغيير بالركون إلى مناطق الراحة لمدد طويلة مما يؤدي إلى حالة ركود وتكرار تعيقهم عن تحقيق الإنجازات.  تفسير هذه الحالة هو أن معظم الناس يهابون التغيير ويعرف هذا عند علماء النفس ” بالتحيز للوضع الراهن” وهو تفضيل بقاء الأشياء كما هي واعتبار أي تغيير على أنه خسارة أو ضرر محتمل. وتعتبر هذا الحالة خطيرة عند الشخص العادي وتزداد خطورتها إذا تفشت عند صناع القرار لأنها تعمل على تعطيل روح المخاطرة مما يؤثر على جودة القرارات والقضاء على فرص نمو وانتعاش المنشأة.

وسواءً كنت قائدًا مؤمنًا بالتجديد أم معارضًا له، عاجلًا أم آجلًا سيطرق التغيير بابك بنفسه، وسيعطيك الخيار إما أن تركب أمواجه وتبحر معه في رحلة نجاح جديدة، أو تتسمر أمامه ويجرفك بقوة حتى يفسح المجال لغيرك. 

وتجدر الإشارة هنا إلى أن لكل حقبة شركات تنجح فيها سواء محليًا أو عالميًا، وتحديدًا بعد الازمات حيث ستجد شركات تغلق أو تضمحل وشركات تنتعش وما يحدد ذلك هو كيفية استجابتها للتغيير.  

قد تتساءل الآن، ما هو الوقت المناسب للتغيير؟ وما هي أنسب الظروف التي يجب استغلالها لصناعة التغيير في بيئة العمل؟

أذكر أنني قبل انضمامي إلى شركة دور، كانت الشركة أشبه ما يكون بعملاق نائم وقد تكون أقدم شركة ضيافة في المنطقة ولكنها في فترة لم تكن تواكب تغييرات السوق.

قررت وقتها قبول التحدي والرهان على التحول والتغيير لتخطي التحديات، كانت النتائج الأولية مشجعة وعملت بمثابة وقود لخطة تحول أسرع وأشمل مما أكد لي أهمية المخاطرة والخروج من منطقة الراحة.

ومن واقع تجربتي الشخصية، وجدت أن هناك علامات يجب على القادة التنبه إليها والاستجابة لها، وهي مؤشرات تدل على حاجة منشأتك للتحول سيساعدك التعرف عليها في اتخاذ قرار التغيير بصورة عاجلة وبدون تردد، ومنها:

أولاً: تغير البيئة المحيطة ونماذج الأعمال 

يعد تغير البيئة والتطور المستمر لنماذج الأعمال من أهم دواعي التغيير، لذلك تعمل القيادات الذكية باستمرار على إعادة تشكيل منشآتهم بما يتناسب مع توجهات السوق الجديدة واحتياجات العملاء المتغيرة لاغتنام الفرص وتجنب المخاطر. قد يشمل ذلك تعديل نموذج العمل الأساسي وكل ما يتعلق بالطرق التقليدية لبيع المنتجات والخدمات مع دراسة الظروف المحيطة. 

ولعل من أوضح الأمثلة على تغيير البيئة المفاجئ الذي يتطلب مرونة عالية وسرعة تكيف لم تختبر البشرية مثله من قبل وقوع جائحة كورونا التي غيرت العالم وأربكت الأسواق والاقتصادات. هذا الظرف الاستثنائي دفع القيادات حول العالم باختلاف توجهاتها على التماهي معه واقتناص الفرص والخروج بحلول مبتكرة، ومن ذلك الحلول التعليمية التي قدمتها وزارات التعليم حول العالم بإنشاء منصات افتراضية ذكية لاستكمال العملية التعليمية عن بعد.

ثانيًا: تفوق المنافسين ودخول منافسين جدد السوق 

قد تشهد السوق العديد من المفاجآت التي تتسبب بفجوة كبيرة بينك وبين منافسيك مما يؤثر على مكانتك. كما قد يفاجئك دخول منافس قوي بقاعدة عملاء هائلة من خارج مجالك، أو أن يقفز منافسك المعتاد قفزة غير متوقعة نتيجة تطوير منتج أو خدمة معينة. هذا السيناريو يتطلب منك ردود فعل مرنة للاستجابة للتغيير في أسرع وقت ممكن. إذا وجدت نفسك في هذا الموقع يجب عليك أن تصنع التغيير حالًا قبل أن تتسع هذه الفجوة ويصعب عليك اللحاق بمنافسيك. 

لنأخذ قطاع السياحة والسفر على سبيل المثال الذي مر بتغييرات عديدة من أبرزها اتجاه المستهلك للبحث عن الوجهات السياحية والفنادق عبر الانترنت والحجز بشكل مباشر دون الحاجة للتعامل مع وكالات السفر المحلية بسبب الثورة التي أحدثتها مواقع مثل Booking  و Airbnb التي أحدثت نقلة بتوفيرها خيارات متعددة وتوصيات من عملائها وتصنيفات سهلت على المسافر الاختيار. العديد من وكالات السفر لم تواكب التحولات في احتياجات المسافر وتوقعاته لفترة طويلة، فهو لا يبحث عن مجرد وسيط صامت ينفذ له رغباته، بل يبحث عمن يوجهه ويفهم احتياجاته مما يختلف عن طريقة تقديم الخدمة في معظم مكاتب السفريات التقليدية التي تقلص دورها حتى خرجت اليوم من المنافسة.

  ثالثًا: عدم الاستجابة لتسارع نمو المنشأة 

يشكل تسارع نمو المنشأة تحديًا كبيرًا جدًا ومؤشرًا مهمًا من المؤشرات التي تدل على حاجة منشأتك الملحة لمواكبة هذا التسارع، لأنه يتطلب منك مراجعة الهيكلة وأساليب العمل وتعديل استراتيجيتك أو تغييرها بالكامل. ويجب أن تكون ردود الأفعال تجاه هذا النمو استباقية وقادرة على التأقلم من خلال أساليب تشمل إعداد استراتيجية نمو وعمل دراسات تحليلية شاملة لكل جوانب العمل.

ومن الشركات المحلية التي استجابت لتسارع نموها نذكر مكتبة جرير التي استطاعت أن تتحول من قرطاسية صغيرة توفر المستلزمات المكتبية إلى شركة عامة مدرجة في السوق المالية السعودية. تمكنت جرير من زيادة عدد فروعها بسبب جرأتها في التغيير المدروس وحرصها على إجراء العديد من التعديلات على خطط النمو الاستراتيجي لمواجهة تغيرات السوق واحتياجات العملاء. لم تستمر جرير في ممارسة نفس النشاط وبيع منتجها التقليدي وهو القرطاسية، بل توسعت لتشمل العديد من المنتجات مثل الكتب والأجهزة الإلكترونية، وأطلقت مشاريع مبتكرة مثل مشروع الكتاب الإلكتروني (قارئ جرير) كما أطلقت مراكز صيانة مختصة لخدمة عملائها. ودخلت جرير سوق التجزئة الالكترونية حيث توفر منتجاتها للمستهلكين عبر موقعها الالكتروني، ونترك للوقت الحكم على نجاحها في المنافسة في هذا المجال.

رابعًا: انفصال الموظفين عمليًا ومعنويًا

يلمس القائد الناجح انفصال الموظفين من خلال بعض السلوكيات مثل قلة حماسهم وكثرة تذمرهم وتمنعهم عن مشاركة أفكارهم.

ويعتبر انفصال الموظفين معنويًا وعمليًا من أخطر القضايا التي تهدد صحة المنشأة واستمراريتها حيث يؤثر غياب روح المشاركة في بيئة العمل بشكل كبير على القدرة الابتكارية في المكان، ويؤدي إلى ارتفاع نسب الأداء الضعيف وإحباط الموظفين وخروجهم من المنشأة، مما يستوجب التحرك العاجل نحو التحول المؤسسي.

أخيرًا وبعد التعرف على أهم المؤشرات التي تدل على حاجة منشأتك للتغيير، لابد من التسليم بأن التغيير قادم لا محالة، لذا يجب أن تكون حليفًا له بدلًا من مقاومته والتصلب أمامه. اصنع التغيير أو على الأقل رحب به وحسن علاقتك معه.

سواءً كنت تفكر في اتخاذ خطوة التغيير أو قد صنعته بالفعل، يسعدني التعرف على تجربتك ورأيك في التعليقات بالأسفل.

 

الردود

  1. حامد السهلي :

    يواجهه القادة مقاومة التغيير من العاملين في المنظمه او عدم مواكبة تطلعات القاده مما يجعل فرض التغيير امر حتمي ..وهذا الامر يعيق او يؤخر تحقيق الاهداف . هل من حلول وبدائل لاقناع الفريق

  2. بدر :

    كلامك صحيح 100% اذكر شركة نوكيا وعدم استجابتها للتغيير اين هي الان بعكس ابل وسامسونج

  3. نونا :

    كلام جميل وفعلا العوامل التي تذكرها لو يتم اخذها بعين الاعتبار لتتم الفائده عليهم .

  4. Bassam :

    تغيير ثقافة المؤسسة ( culture change) ليدعم و يتماشى مع قيم المؤسسة و استراتيجيتها من التحديات الكبيرة. شركة zppos لبيع الاحذية على الانترنت، للتاكد من ان الموظفين الجدد تتوافق نظرتهم مع قيم وثقافة المؤسسة تقوم بعد بضعة اسابيع من انضمام الموظف بعرض ٣،٠٠٠ دولار بالاضافة الى قيمة وقته خلال الفترة التجريبية اذا اراد ان يترك zappos. للتاكد ان من ان يبقى متوائم مع ثقافة الشركة. و لا تتردد بفصل الموظف اذا بدى ان هناك تباعد واضح.
    فعندما يجد رئيس الشركة الجديد ان هناك فجوة (culture) فهذا من اصعب التحديات. فالتغيير قد يكون سطحي وفي هذه الحالة اذا كانت هناك مقومات نجاح اخرى ستستمر الشركة و لكنها لن تحقق ما هو ممكن لها بمواردها والتي تتعثرالشركة في تسخيرها بشكل امثل نتيجة لفجوة الثقافة.
    لتقليل صعوبة التغيير تعتبر شركة zppos التميز في خدمة العميل لا يمكن التفاوض به و يعرف ذلك كل الموظفون من اليوم الاول، لذلك يسهل اتخاذ العديد من قرارات التغيير لاي شيئ يقف عثرة امام هذا المبدأ.

  5. د. عبدالرحمن الشهري :

    السلام عليكم ورحمة الله
    اسعد الله اوقاتك بالمسرات أ. بدر
    ماشاء الله تبارك الله لقد وضعت يدك على أهم ٤ مؤشرات يجب على أي رئيس أن يدركها ويضعها أمام نصب عينيه. هذه المؤشرات الأربعة إن ظهر أحدها فلا مجال للتأخير في اتخاذ الإجراء السريع للمعالجة قبل تفاقم الأمر ووقوع خسائر أكبر ولعل ما أرى انه علامة أولية أو مؤشر مبدئي لضرورة التدخل السريع هو المؤشر الرابع: انفصال الموظفين عمليًا ومعنويًا. حيث ان هذا المؤشر هو المؤثر الحقيقي والمتسبب الرئيسي لحدوث المؤشرات الأخرى وهذا المؤشر يتضح تمامًا في القطاعات الحكومية بالدرجة الاولى وحين يتم معالجته ترى تغير كامل في القطاع ولكنه وللأسف الشديد لا يتم ملاحظته من قبل الشريحة الكبرى من متخذي القرار في هذه القطاعات علمًا بأنني ومن خلال قربي من بعض موظفي هذه القطاعات التي تعاني من ضعف الأداء والإحباط لا يحتاجون الشيء الكثير بل إن البعض منهم لا يرغب الا في كلمة ثناء أو تحفيز مالي بسيط أو دوره في تخصصه تساعده على التقدم في مسيرته العملية. لذلك فمن وجهة نظري ان يكون المسؤول واعيًا تمامًا لهذا المؤشر فبصلاحه قد لا يصل الى مرحلة المؤشرات الثلاثة الأخرى والتي تعتبر انهيار كامل للمؤسسة
    كل الشكر والتقدير لك أ. بدر على طرح هذا الموضوع والاستدلال ببعض المؤسسات التي أثرت فيها هذه المؤشرات سواء بالتغيير الايجابي او السلبي
    اخوك د. عبدالرحمن الشهري

    • Avatar photo
      بدر البدر :

      شكرا د. عبدالرحمن على المداخلة الثرية. اتفق معك على خطورة انفصال الموظفين وقد يكون أكبر من الثلاثة ألأخرى.

  6. نوف :

    الانفصال المعنوي والعملي هو تماما ماجعلني اتخذ خطوة قرار تغيير المنشئة الذي لم اندم عليه فبيئة محفزة اءيجابية خير من مكان تدفن فيه الطموحات،،،،

  7. نجلاء الشامان :

    اتفق بأن الانفصال المعنوي والعملي من أقوى وأخطر المؤشرات ولا يصل له الموظفين إلا بعد وقت طويل وتراكمات ومحاولات غير ناجحة للإصلاح هذا في حال إذا كان الأمر غير متعمد من المسؤول ، أما إذا كان الأمر متعمد فهذا هو الأخطر ويترتب عليه إجبار غير معلن على الموظف لتصل به في نهاية الأمر للانفصال عن المنشأة واتخاذ قرار الخروج ،فجميل أن يتم ملاحظة هذا المؤشر من البدايات لتجنب حدوث الانفصال وما يترتب عليه .
    شكرا أستاذ بدر مقال مميز

  8. Pingback: ٤ أمور لا يجب أن يغفل عنها القائد في رحلته للتغيير - مدونة بدر بن حمود البدر

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.