4 خطوات للنجاح في عالم ما بعد الجائحة

ماذا يفعل قائد الأعمال، أو الإنسان بوجه عام، عندما يُفرض عليه التصدي لواقع لم يسبق أن رآه أو توقعه، كما هو حال الجميع في هذه الأيام؟

 ماذا يفعل عندما لا يجديه الاعتماد على الخبرات والنظريات السابقة؟

ماذا يحدث عندما تضعنا الظروف في موقف يصعب فيه الاعتماد على السوابق أو على خبرات الآخرين في أماكن ومؤسسات أخرى من العالم؟

وكيف يواجه الإنسان سيطرة البرمجة السابقة لعقله، عندما يتعامل مع الواقع المستجد غير المسبوق؟

نقول أن المأزق الحالي، ينبع من عجزنا عن الاعتماد على الخبرات، والنظريات التي شاعت في عصر الصناعة، وعدم توصلنا إلى الخبرات والنظريات البديلة، التي يفرضها المجتمع الجديد.

واستجابة “توقف وراقب” أولية في التصدى للمستجدات، فالسبيل المتاح الآن عدم الاعتراف بالفرضيات القديمة وإنما النظر إلى متغيرات ما بعد الجائحة والتعلم. 

أولاً: الممارسة النقدية

غالبًا ما يندفع قادة الأعمال إلى الممارسة النقدية نتيجة لظروف أو منبهات خارجية، على شكل أو آخر. ومن منبهات هذه الممارسة، حدث غير متوقع كالجائحة يمزق أنسجة حياتنا المستقرة. وليست الأحداث السلبية فقط هي التي تدفع إلى القيام بعملية إعادة تنظيم شاملة لأولوياتنا وافتراضاتنا، لكن من الثابت أيضًا أن تثيرها الأحداث المبهجة غير العادية مثل تحقيق نجاح غير متوقع في عمل ما.

وتشمل الممارسة النقدية التساؤل حول الافتراضات التي تستند إليها طرقنا المعتادة في إدارة الأعمال، ومن ثمّ الاستعداد للتفكير والتصرف بشكل مختلف. 

وهى ممارسة عامة، رغم التباين من شخص لآخر، كما أنها عملية في متناول الجميع بعد أن أصبحت حياتنا معقدة ومختلفة، لهذا سيكون من المفيد جدًا أن نتعرف على هذه العملية أو الممارسة بوصفها نشاطًا معاشًا واستثمار وليست تسلية أكاديمية.

ومن خلال دراسة حالات دمج الفكر الناقد والقيادة والاستراتيجية يمكن أن نكتشف مراحل عامة للتعامل في أوقات الجائحة، تأخذ التتابع التالي:

·    الحدث المفجر:

يبدأ الأمر بحدث جوهري أو جائحة، تثير حالة من القلق والارتباك لدى قادة الأعمال.

·     ما بعد الجائحة:

بعد الحدث المفجر، تأتي مرحلة التدقيق، في كل ما يتصل بالموقف التالي لذلك الحدث. وعادة ما تتراوح ردود الأفعال في بداية هذه المرحلة بين التقليل من شأن الحدث أو إنكاره أصلًا، وبين إطالة التفكير والتبصر في ذلك التناقض الذي يربك حياتنا.

نتعرف على حقيقة الأمر ونسعى إلى تفسيره. بعد ذلك قد نسعى إلى البحث عن أولئك الذين يشاركوننا نفس الموقف.

·     تحديد الفرضيات وتحديها:

في أثناء هذه المرحلة، نبدأ العمل على طرق جديدة في التفكير والتصرف أكثر اتفاقًا وانسجامًا مع إدراكنا لما يحدث. وهذا هو الوقت الذي نحرص فيه على عدم قبول اية فكرة أو مفهوم عمل دون التعرف على الافتراضات التي يقوم عليها والسياق الذي يخرج منه، للتثبت من عدم سقوط تلك الافتراضات، وعدم تناقض ذلك السياق مع الواقع المستجد الذي نعيشه.

ثانيًا: التنبه إلى خطورة نجاحات الأمس

  من الضروري هنا تجنب الركون السهل لنجاحات الأمس وفرضياتنا القديمة، فلم يعد البناء عليها والقياس على السابق يفيدنا في فهم الظواهر الجديدة والتعامل معها، لذلك نحتاج إلى التخلص من سيطرة المحفور في عقولنا، والذي تراكم على مدى سنين عملنا.

عندما تجتاح المجتمع والاقتصاد مثل هذه الجائحة، يكون مصير المديرين، الذين تعودوا الخوض في المياه الآمنة، أن تلفظهم مؤسساتهم، فعاداتهم التي مارسوها على مدى حياتهم –تلك التي ساعدتهم على النجاح- تصبح اليوم عقبة أمام الإنتاج والتطور. لهذا فالقاعدة الذهبية للبقاء تصبح “ليس هناك اليوم ما هو أخطر من نجاحات الأمس”.

ثالثًا: الابتكار

هنا تظهر أهمية الاستكشاف وتخيل البدائل والحاجة إلى الاعتماد على الابتكار المقصود والمتعمد، والمعتمد بدوره على آليات وأدوات منتظمة من أجل أن نطرح بعض سيناريوهات المستقبل، والنظر في السيناريو الأكثر احتمالًا (الإدارة بالسيناريوهات).

أوجدت أزمة الجائحة فرصة ذهبية لابتكار نموذج جديد للحكومات وإدارة العمل أكثر مرونة، والبحث عن هياكل إدارية جديدة والتي تحقق الاشتراطات والتي تستجيب للتغيرات التي يفرضها مجتمع المعلومات (العادي الجديد The new normal ). وحقيقة الأمر أننا نشهد هبوطا لقمة الهرم، واقترابا من قاعدته، بعد تضاؤل دور القيادات والإدارات الوسيطة، التي كانت لها أهميتها خلال عصر الصناعة.

 كما سرَّعت الأزمة لتحويل العديد من الحلول المستقبلية، فتحول العمل عن بعد إلى واقع، كما أن التعليم عن بعد تحول من خطط استشرافية مستقبلية إلى واقع فعلي عبر منصات افتراضية أتاحت استمرار العملية التعليمية في ظل الاشتراطات الاحترازية للوقاية من الوباء، وبرز نمط هجين جديد من التعليم Blended Learning.

وستضطر المؤسسات الكبرى إلى دخول مجال التعليم والتدريب وإعادة التدريب، نتيجة لتسارع المتغيرات،  وتطور التكنولوجيات مما يجعلها تتحول تدريجيًّا إلى جامعة صغيرة.

رابعًا: التكامل

أخيرًا عندما نستقر على قيمة ما، ونتأكد من مصداقية الطرق الجديدة، نبدأ البحث عن سبل التكامل بين هذه الطرق ونسيج عملنا العام. قد نقرر إقامة علاقات كنا نرفضها من قبل أو نعمد إلى إنهاء بعض العلاقات القديمة، قد نغير استثمارنا أو نصمم على تغيير نظم المؤسسة التي ننتمي إليها، أو نضغط من أجل إحداث تغيير مجتمعي.

نحن مضطرون إلى التخلي عن فرضيات واستراتيجيات واعتماد التدابير المبتكرة والحكيمة للاستثمار في متغيرات عالم ما بعد كورونا ، ليس أمامنا سوى أن نعتمد هذه  الممارسة النقدية، والتي تساعدنا على الانتباه إلى فترة صلاحية فرضياتنا القديمة وابتكار بدائل الحلول ، ثم تطبيق الحل الأمثل.

الردود

  1. فهد الكعيك :

    بوركت ابا عبدالعزيز
    هنا تبرز قدرات ومهارات الإنسان وما حواه فكره من دروس وعبر، ليخرج بالجديد لمواجهة كل جديد دون الركون لحدود وهمية ترسّخت في الأذهان دون سبرٍ لأغوارها،
    والفرق يحدث، ايجابا او سلبا، ثقةً او غير ذلك.

  2. محمد ابوغلوة :

    كلام جميل وفعلًا مبني على القدرات الشخصيه وكم الخبرات والمعرفه والتجهيز للمستقبل عند كل فرد ، لذلك اعتقد مهما استطاع القائد التنبه لهذه الامور فلا يمكن ان ينقذه ذلك بدون وجود ادوات لديه قد قام بالتحصن بها وتجميعها مسبقاً لحين الحاجه لها في الازمات.

    • Avatar photo
      بدر البدر :

      فعلا الاستعداد بالمهارات والخبرات ضروري ولكن مهم عدم الارتكاز الزائد عليها في حال عدم ملاءمتها

  3. حسين الحربي :

    موضوع مهم و طرح رائع و واقعي, شكراً د.بدر
    فعلاً، التجرد التام لدى القائد و التشخيص الواضح و الادراك للموارد و الواقع مع الحفاظ على القيم و الاهداف الاساسية تعتبر حصيلة لمن استفاد من التجارب السابقة و تكونت لدية منهجية ناضجة و مرنة لحل المشاكل و مواجهة التحديات.

  4. Raqiah :

    التخطيط ثم التخطيط اهم مرتكزات الاداره الناجحه والتي تعتمد على الخطط وبدائلها في حال جد جديد او تغيرت الظروف ، القائد الذي لديه مرونه وقدره على التغيير هو الذي يستطيع ان يواكب المستجدات ويسير في ادارته الى بر الامان .

  5. فهد بن ناصر العرجاني :

    “ستضطر المؤسسات الكبرى إلى دخول مجال التعليم والتدريب وإعادة التدريب، نتيجة لتسارع المتغيرات، وتطور التكنولوجيات مما يجعلها تتحول تدريجيًّا إلى جامعة صغيرة”
    هذا فعلاً ماعملنا عليه بعد الجائحة في احد اكبر الشركات التقنية العالميه.

    رسالة غير تقليديه في هذا الطرح يا استاذ بدر

  6. عمر بن عيضه باوزير :

    اتفق معاك د.بدر ان أزمة الجائحة اوجدت فرصة ذهبية لابتكار نموذج جديد للحكومات وإدارة العمل أكثر مرونة.. وكانت فرصه لتحرير كثير من قرارات التحول الرقمي اللتي كانت في ادراج بعض المترددين في احراز تغيير مؤسساتي

  7. فؤاد فسفوس :

    أشكرك دكتور/ بدر وأتفق معك بأن التشخيص السليم وفهم المتغيرات والنتائج المتوقعة وتقييم الاهداف والعمل على استراتيجية تحقيق الاهداف الرئيسية والعمل ضمن منهجية تعتمد على الابتكار والتفكير الابداعي لحل المشاكل و مواجهة التحديات والتركير على التكنولوجيا والتحول الرقمي اساس النجاح والتفوق المستقبلي للشركات والمؤسسات.

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.