لا تقلق فتحترق!  7 نصائح فعالة لتجنب الاحتراق الوظيفي 

بلا تحضير كافٍ كنت أجري في ماراثون دبي، أشعة الشمس تلقي بحرارتها على وجهي، والصور المحيطة بي من وجوه المتسابقين ومناظر الأبراج تمر سريعًا أمام عيني. وبعد أن ألفت المشهد وبدأت عملية الجري تصبح تلقائية، أخذت أتفكر وبينما كنت أقطع المسافة من كيلومتر إلى آخر، كانت الأفكار بدورها تتسابق في ذهني وتبادرت إليّ هذه المقارنة: ما وجه الشبه بين الحياة والماراثون؟ جرّت هذه المقارنة قصة سباق الأرنب والسلحفاة التي كانت تُقص علينا ونحن صغار، وقبل أن ينقطع حبل أفكاري، عزمت على كتابة هذه المقالة فور عودتي.

قصة الأرنب والسلحفاة فيها كثير من الدروس، أحد تلك الدروس هي ألا تكون مغرورًا مثل الأرنب، الذي كان واثقًا من قدراته وسرعته، لدرجة أنه توقف أثناء السباق لينام قليلًا، وفي النهاية كما نعرف فازت السلحفاة في السباق.

كان الأرنب مرتاح البال وغير قلق، وهذي هي مشكلته التي تسببت في خسارته.

إن حياتنا مثل الماراثون، نركض لنحقق هدفًا معينًا، ولكن على عكس الأرنب، نركض بقلقٍ لئلا نخسر، ففي الماراثون إن لم يكن تحدي أنفسنا أو تحطيم نتيجتنا السابقة أو القلق من تجاوز المنافسين لنا الدافع في سعينا للأفضل لما خضنا التحدي، وفي الحياة إن لم نكن قلقين أصبحنا خاملين لا نحقق شيئًا.

عالم اليوم

بعد ثورة الاتصالات والانترنت وما تبعه من ذكاء اصطناعي وغيرها من التقنيات التي غيرت حياتنا، صرنا نعيش في عالم متسارع، فالرسالة التي كانت قديمًا تصل خلال أيام صارت تصل الآن خلال ثانية أو أقل.

ثم جاءت جائحة كوفيد-19 فزادت تلك السرعة سرعةً، وانتقلت حياتنا بأكملها إلى الفضاء الرقمي، كل ذلك غير مفهوم المكان والزمان لدينا، وغير طريقة عملنا وثقافة العمل نفسها.

 فالعمل عن بعد مثلًا لم يكن نمطًا شائعًا قبل تلك المقدمات، ونتيجةً لذلك أيضًا اختفى الخط الفاصل بين الحياة المهنية والحياة الشخصية، حيث تشير إحصائية منشورة من هارفارد بزنس ريفيو أن 55% من الموظفين غير قادرين على الموازنة بين حياتهم الشخصية والعمل، وأصبح معتادًا أن تعقد اجتماع عمل في نهاية الأسبوع، أو ان يتصل بك عميلٌ خارج أوقات العمل الرسمية.

نتيجةً لتلك السرعة التي لها إيجابياتها وسلبياتها صار الإنسان ذو الطموحات المهنية العالية عرضةً للضغط والقلق.

حين نسمع كلمة قلق أو توتر يتبادر إلى أذهاننا غالبًا معانٍ سلبية، ولكن هناك دراسات علمية عديدة أثبتت أن مقدارًا معينًا من القلق صحي ونافع، فعلى الصعيد المهني لو انعدم هذا القلق لما استطعنا تطوير أنفسنا وتحديها وتعلم مهارات جديدة تضيف إلى خبراتنا وتوسع آفاقنا.

لذلك فإن أكبر عقبة قد تقف في طريق تطورنا هي بحثنا عن الأمان الوظيفي، إن هذا الأمان الخالي من القلق الصحي له ثمنه، والأحرى أن يسمى بالتجمد الوظيفي، لأننا بعد فترة من الزمن لن تتعلم شيئًا وبالتالي لن نتطور ولن نترقى في السلم المهني ما لم نخرج من منطقة راحتنا بحكمة.

إذن القلق مفيد لنا لأنه يساعدنا على إظهار أفضل ما فينا واكتشاف أنفسنا، ولكن إن زاد هذا القلق عن الحد الطبيعي، فستظهر آثار سلبية نفسية وجسدية التي قد تؤدي إلى الاحتراق الوظيفي والذي إن لم نعالجه قد يتحول – لا سمح الله – إلى أمراض مزمنة.

الاحتراق الوظيفي

من الطبيعي لكل عمل أن يمر بمواسم ضغط ومواسم استقرار، ولكن تزامن القلق المهني الزائد مع الضغط قد يؤدي إلى الاحتراق الوظيفي، الاحتراق الذي أصبح شائعًا عند كثير من الموظفين في الآونة الأخيرة، حيث تكشف استبانة أجرتها شركة Indeed في 2021م على 1500 موظف من مختلف الأعمار إن 52% منهم يعيش تجربة احتراق وظيفي. كما شاهدنا مؤخرًا حملة “حط خط” لمجلس الصحة لدول مجلس التعاون الهادف إلى رفع الوعي بالاحتراق الوظيفي وكيفية تجنبه.

ما سبق يجعلنا ندرك أن الاحتراق الوظيفي ليس مزحةً بل واقعًا ونحن جميعًا عرضة لأن نصاب به، وربما الآن تتساءل كيف يمكنني تجنب هذا الاحتراق؟ هذا ما سأجيب عليه في النقاط السبعة التالية.

كيف تتجنب الاحتراق الوظيفي؟

  1. أدر طاقتك بحكمة

نظم جهدك وارسم خطة زمنية واضحة لمهامك، واستعد للمواسم، فمثلًا لو كانت مسؤول مبيعات لا شك أن نهاية كل ربع في السنة سيكون ضغطًا، لذلك تهيئ له واستعد.

2. رتب أولوياتك

إذا كانت كل المهام في نفس مستوى الأولوية فتأكد أن هناك مشكلة، حاول معرفة أولوية كل مهمة على حدة، ثم ابدأ بالأهم فالمهم، وحينها سيسهل عليك العمل.

3. كن مرنًا

فليس هناك خطة كاملة أو قابلة للتطبيق بحذافيرها. درّب نفسك على تقبّل التغيير والتعامل مع الظروف المفاجأة، فأحيانًا التغيير يكون لصالحك.

4. تخلص من داء المثالية

الإنسان كائن ناقص، وعمله لن يكون مثاليًا مهما حاول، لذلك من المهم أن ترسم حدًا للعمل للجيد تتوقف عنده عندما تبذل كل ما في وسعك.

5. مارس هواياتك

للهوايات فوائد كثيرة، منها تصفية الذهن، فحين تمارس هوايتك المفضلة تنسى الأمور المعلقة مؤقتًا- كما أمارس أنا الجري وأشارك في الماراثون- وبعد أن تنتهي تستطيع أن تعود وعقلك تجدد طاقاته وقدرته على التفكير الإبداعي صارت أكبر.

6. اطلب المساعدة

يُقال إن من يكابر أو يخجل من السؤال لا ينجح، لذلك لا مانع أن تطلب مساعدة من مديرك أو زميلك، فاجتماع عقلين لمحاولة حل مشكلة أفضل من عقل واحد.  

7. استرح

خذ قسطًا من الراحة حين تنجز عملًا كبيرًا لتعود بكامل طاقتك وحماسك وتحقق مزيدًا من النجاح، فلنفسك وجسدك عليك حق.

أخيرًا .. القلق سلاح ذو حدين، يمكنه أن يشلنا كما يمكنه أن يحفزنا، بطريقة رؤيتنا له واستعدادنا يمكننا تغيير استجابتنا تجاهه لنجعله في صفنا وصديق رحلتنا قبل أن نقع ضحايا للاحتراق الوظيفي.

الردود

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.