ماذا يخبرك رمضان عن نفسك؟ 

في آواخر شهر شعبان، نبدأ الاستعداد النفسي لشهر رمضان المبارك، وفي اليوم التاسع والعشرين يخرج الراؤون ليرصدوا هلال الشهر، وفي البيوت أمام شاشات التلفاز أو الجوال ننتظر صغارًا وكبارًا بلهفةٍ إعلان الخبر. ما أن يُذاع الخبر حتى نبدأ مباشرةً في تغيير نظام يومنا، فبدلًا من النوم المبكر نأخر نومنا لنتناول وجبة السحور قبل الفجر. قياسًا على ذلك، كل شيء حولنا يتغير، فيتأخر موعد الحضور للعمل، والمحلات التجارية تبقى مفتوحة لتستقبل الزبائن حتى بعد منتصف الليل. ونتيجةً لكل تلك التغييرات، نواجه صعوبةً في أول الأيام؛ نوم قليل، أكل غير منتظم، صداع، غيرها من آثار تغير الروتين. لا شك أن للروتين تأثيرًا بالغ الأهمية علينا، ولكن هذا التأثير غالبًا يكون مخفيًا لا نشعر به حتى يضطرب روتيننا أو يتغير لظرف ما، حينها ندرك أهمية الروتين ونتوق للعودة إليه. لكن هناك أيضًا أمر آخر لا يقل أهمية ولا خفاءً، بل أن الروتين أحد نتائجه، ألا وهو التكيف. إن قدرتنا على التكيف مع مختلف الظروف والمتغيرات قدرة مذهلة ونعمة من نعم الله الكثيرة، فها نحن بعد الصعوبة التي واجهناها في بداية رمضان، نتكيف مع روتيننا الجديد بعد أيام معدودات؛ فيصبح العمل بلا قهوة الصباح ممكنًا، وتأخير الأكل محتملاً، وصارت كل أعمالنا تقريبًا متناغمةً مع ذلك الروتين الجديد. أتذكر في بدايات اهتمامي بالرياضة الصعوبات التي كنت أواجهها في محاولة إيجاد الوقت لممارسة هذه الهواية، لكن لم يمر وقت طويل حتى صارت الرياضة جزءًا أساسيًا من يومي، والأمور الأخرى هي التي أصبحت أبحث عن وقت مناسب لها.

 

إذن ما علاقة كل ذلك برمضان؟

الجواب أن رمضان فرصة سانحة لتغيير حياتنا للأفضل، ليس فقط بعلاقتنا الروحانية وقربنا من الله والإكثار من الأعمال الصالحة، بل لتحسين حياتنا الدينية والدنيوية معًا، رمضان يخبرنا بكل وضوح أننا نملك قدرة عالية على تغيير حياتنا وبناء عادات جديدة ترتقي بجودة أيامنا.

يتكون الروتين من العادات، والعادات هي الجندي المجهول لاكتساب المهارات وتحقيق الإنجازات، فذلك الرسّام الذي كان يرسم خطوطًا متعرجةً وأبعادًا مشوشة ويضرب بفرشاته ألوانًا مزعجة، لم يكن ليرسم لوحته البديعة ذات الألوان الخلابة لولا استمراره في عادة الرسم المنتظم، وأنا لم أكن لأشارك في مارثون ثلاثي لو لم أمارس الجري قرب منزلي يوميًا على امتداد أشهر.

كيف تكسب العادات؟

هذه 4 خطوات أوصيك بها من تجربتي الشخصية:

  1. حدد الهدف: ماذا تريد من هذه العادة أن تعطيك، فإذا كنت تريد أن تكسب عادة القراءة مثلاً فحدد هل تريد أن تتعلم مهارة معينة مثل مهارة التسويق أو الكتابة أم فقط لتزيد مخزونك المعرفي والثقافي؟ 
  2. ابدأ تدريجيًا: لا شيء يغير حياتنا للأفضل ويُكتسب بين ليلة وضحاها، فمن يجري 5 كيلومتر في بداياته سينهك جسده ولن يستطيع التمرن في اليوم التالي ومن ثم تكون عنده ردة فعل سلبية، وكذلك التكيف فليس هناك زر نضغطه لنتكيف مباشرةً بل تدريجيًا. 
  3. تابع تقدمك: سجل إنجازاتك وتابعها باستمرار، لتتذكر هدفك الأساسي وتحفز نفسك بتقدمك. 
  4. لا تستعجل النتائج: النتائج المبهرة تحتاج إلى وقت، لا تُحبط إذا لم تشاهد نتائج مباشرة، فالذي يأكل أكلًا صحيًا لن يلاحظ التغيير على جسده في يومين أو ثلاثة. 

يُقال إنما السيل اجتماع النقط، تلك العادات التي نفعلها دائمًا لها أثر باهر في نجاحاتنا وإخفاقاتنا، لذلك من الحكمة أن نسعى إلى كسب عادات نافعة والتخلص من عادات ضارة، لأن حياتنا هي محصلة عادات التي نمارسها بشكل يومي بوعي أو بدون وعي.  

الردود

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.